جهاد المومني
رغم أن السياسة لم تكن تاريخياً منصفه ولن تكون في يوم من الأيام، تبقى الحقائق ثابته وإن ظلمها المؤرخون والكتاب وصّناع الرأي العام، فالشمس لا تغطى بغربال، والحقائق الراسخة لا تلغيها الادعاءات مهما ترددت وتم تداولها. لنكن منصفين ولنضع الموقف الأردني من القضية الفلسطينية في كفة، ومواقف الآخرين في كفة اخرى، ولست بصدد وضع النتائج أو حتى التلميح اليها، بل سأترك لمن يسعى إلى الحقيقة لحظة تفكير يخلص بعدها الى استنتاجه الخاص في قرارة نفسه.
نافلة القول أن الأردن لا يملي موقأقلافه على أحد، لا عندما يتعلق الأمر بالصدام مع اعتى المتطرفين في إسرائيل ولا عندما تهدأ العاصفة بين الأردن والحكومات الإسرائيلية، ولم تهدأ يوماً منذ تولي جلالة الملك عبدالله سلطاته الدستورية، الاحتلال قائم اذن العلاقات سيئة هذا هو جوهر العلاقات الأردنية الإسرائيلية، هم في إسرائيل يعرفون ذلك ونحن في الأردن نتمسك بمواقفنا ومشاعرنا عند هذا الحد، والسبب بقاء الاحتلال وغطرسة الحكومات الإسرائيلية واعتداءاتها على الفلسطينيين وعلى المقدسات، كل ما في الأمر أن الأردن يهب نصيراً لشعب فلسطين الذي ترك وحيداً في مواجهة الة القتل الإسرائيلية المدعومة من القوة العظمى الاولى في العالم ومعها الاتباع الغربيون اصدقاء دولة الاحتلال.
لا مصلحة شخصية عندما يتعلق الآمر بالمقدسات وبالقدس اولى القبلتين، فهذه المقدسات لا يملكها الملك عبدالله ليدافع عنها باقصى ما يملك من قوة دبلوماسية وحنكة سياسية وعلاقات مع قادة العالم، المحصلة لا زالت المقدسات صامدة ولم تقم إسرائيل ببناء الهيكل على انقاضها كما تخطط منذ عشرات السنين، المقدسات- وبالذات المسجد الأقصى- ملك للامة الاسلامية كلها وزعماء الامة مسؤولون أمام الله وامام شعوبهم وامام التاريخ عن حمايتها ورعايتها، ولكن ما الذي يحدث على أرض الواقع، الأردن يتحمل المسؤوليات كلها تجاه المقدسات، المسؤولية السياسية، والأمنية والمالية، فأكثر من ربع موازنة وزارة الأوقاف الأردنية يذهب لكي تبقى المقدسات برعاية اسلامية أردنية هاشمية، هل يقدم المسلمون شيئاً للمساهمة في هذه الحماية، الجواب- على حد علمنا- لا، نحن من يدفع، ونحن من يقف نداً لإسرائيل غير مبالين بالتبعات، واحياناً نغامر بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة من أجل هذه الحماية والتصدي لاعلان القدس عاصمة لإسرائيل بقرار أمريكي، الأردن لا ولن يواجه الولايات المتحدة وليس بقادر على ذلك، لكن الأردن يناور ضمن المتاح له من أوراق حتى لا تمر القرارات التي تخدم الاحتلال مروراً عسيراً، جلالة الملك هو الأكثر تأثيراً عندما يخاطب الحكومات والمجتمعات الغربية لشرح الابعاد الخطيرة لبقاء الاحتلال ومخططات الاحتلال الإسرائيلي واجراءاته العدائية ضد الانسان والمكان لتذكير الأمريكيين والدول الداعمة لإسرائيل بمخاطر هذا الدعم وآثاره على القضية الفلسطينية، ومسيرة السلام.
دعونا نتفكر قليلاً فيما يقوم به الاردن وما يفعله جلالة الملك على المستوى الدولي، ولنتوقف قليلاً عند ما يفعل الآخرون لنفس الهدف وبنوايا طيبة دونما شك في ذلك، فمن من زعماء العالم لديه القدرة على جعل ممثلي الدول الأوروبية، يقفون أكثر من عشر مرات للهتاف له ولمضمون خطابه وهو يتحدث عن القضية الفلسطينية ومسيرة السلام، ومن هو الزعيم الذي ربط بذكاء بين الارهاب واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحية، ومن هو الزعيم الذي واصل الاصرار على حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية على حدود 4/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية !؟
لقد تراجع العرب عن لاءاتهم الثلاث منذ قمة الخرطوم 1967 وحتى عام 1991 أي بفارق 24 عاماً واستبدلوها بالاعتراف، والصلح، والتفاوض، بل وقبول الامر الواقع كما فرضته اسرائيل، لكن الملك عبدالله لم يتنازل قيد امله عن (لائه) الثابتة (لا بديل عن حل الدولتين) منذ تسلمه سلطاته الدستورية عام 1999 والى اليوم، اي بنفس الفارق الزمني تقريبا، وظل متمسكاً بها رغم المغريات الكثيرة، ورغم الضغوطات القاسية، ورغم حاجة الأردن الى الولايات المتحدة راعية اسرائيل وحاميتها.
لنتحاسب وليضع كل منا بيناته على الطاولة، فبينما يحشر الاردن اسرائيل في الزاوية بإصراره على حل الدولتين تجد دولة الاحتلال لها منافذ في البدن العربي، وبينما يعاني الاردن جراء تمسكه ب (لائه) الثابتة، تزدهر دولة الاحتلال وتستقطب استثمارات العرب ومساعدات الغرب وتأييده، كيف يمكن لعاقل أن يفهم هذه المعادلة العجيبة، وكيف للمجتمع الدولي أن يكيَف العدالة الإنسانية على مقاس المحتل متجاهلاَ حقوق شعب من عشرة ملايين لاجئ ونازح يتحمل الاردن مصيرهم على كاهله!؟ في هذا الركن الخانق يقف الأردن، وفي حقل الألغام هذا يعمل الملك عبدالله، رغم معاناة الأردن اقتصادياً ورغم شح المياه، واعداء يتحينون الفرصة لتفخيخ إنجازات البلد وطابور خامس يسمم الأجواء بالتشكيك تارة وبالتخوين تارة أخرى! ما العمل؟
يمكن للأردن أن يكون البلد المدلل اذا اقدم على اعلان واحد، أن يحايد تماماً وأن يلتفت الى همومه الداخلية متجاهلاً القدس والمقدسات وحقوق الشعب الفلسطيني، وبإمكانه أن يضاعف حجم المساعدات التي يحصل عليها لو قرر أن يترك قضية الامه العربية واكتفى بحصته منها، تخيلوا كيف سيكون حالنا لو اغلقنا باب الخلافات مع إسرائيل وفتحنا بقية الأبواب على مصاريعها، الحقيقة لا احد يريد أن يتخيل ذلك، فالحفاظ على المبادئ والكرامات لا بد أن تكلف اصحابها الكثير، والاردن الذي يتوسد المعاناة ويتكئ على الجرح لا يقبل الا أن يبقى شامخاً وإن بدا للآخرين مختلفاً بشجاعته وبقدرته على التعايش مع كل هذا الخذلان الذي يحيطه به من كل جانب.