رمزي الغزوي
أن تصل متأخراً خير من عدم الوصول. وأن تفكر في تغيير قانون بال مهلهل فهذا أفضل من الوقوف والتحسر على حال الجمعيات والفوضى التي تضربها، ولهذا أحيي وزير التنمية الاجتماعية لتحركه في هذا الاتجاه.
فذات سياسة اتهمنا الإنجليز بأنهم أصحاب نظرية (فرّق تسُد)؛ لأنهم جرحوا خارطة وطننا العربي بسكين (سايكس- بيكو). وبسياسة مغايرة اتهمناهم أيضاً بأنهم مهندسو نظرية (جمّع تسد) التي أسهمت بتأسيس جامعة الدول العربية.
قريباً من وجع الرأس ما زال يوجعني أكثر ألا أطرح سؤالاً مُراً يمضغني منذ سنوات: أية سياسة متناقضة نتخذها في تأسيس جمعياتنا الخيرية؟ كي نصاب بتخمة العدد الموازي للخواء؟.
في واحدة من قرانا أعرف أسرة تأسس بأكنافها خمس جمعيات، كل فرد رئيس لواحدة. الأب لجمعية كذا، والأم نائبة والأبناء أعضاء. والأم رئيسة جمعية كذا مذا، والأب نائب والأبناء أعضاء. والبنت الكبرى رئيسة لأخرى، والأب والأم نائب وأعضاء، وهكذا حتى نهاية المهزلة التراجيدية.
فهل خطر هذا (التفتيت التجميعي) على بال الإنجليز؟ أم أنه لا يخطر حتى على بال شيطان يقظان. فالحصيلة أننا أصبحنا أكثر فردية وأنانية، وغدونا جزراً معزولة تقترب من مصالحها الشخصية بحجة رسمية.
سنتخذ مقولة (إذا عُرف السببُ بطل العجب) لنفسر هذا (الانشكاح) الكبير في التراخي بتأسيس الجمعيات. فإنشاء جمعية يعني رأساً جديداً، ويعني قنوات من الرزق تفتح عليك تمكنك من طرق الأبوب لتجمع لفقراء وهميين تبرعات وحرامات وصوبات وسمك مقطوع رأسه وطحين وغيرها.
لا أتهم أحداً، ولكني أصف المشهد البائس بطل ظلاله. علما بأن عجلون من أقل المحافظات تأسيساً للجمعيات. ولهذا أصرخ: أي قانون؟ وأية حرية خرقاء غير مسؤولة منحت هذا الكم الهائل ليتناسل كنبت شيطاني في مجتمع انعدمت فيه روح التطوع، حتى غدا لاهثا نحو الفردية.
الأصل في الجمعيات أن تكون من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، لكن كثيراً منها بات جسرا مربحاً للفردية. فكيف تكون عضواً في جمعية، وأنت قادر أن تصبح رئيساً للأبد لجمعية جديدة، والأمر لن يكلفك إلا توقيع أسرتك، لتكون الزوجة أمينة للسر، والإبن البكر نائبا والأولاد أعضاء. لكني لا أضمن ألا تباغتك الزوجة وتؤسس جمعيتها الخاصة وتتكرم عليك بعضويتها.
الجمعيات الخيرية ملف عويص مشتبك مخجل بحاجة لقوة ولشجاعة ليفتح بشفافية وينبش، ليتم تخليص المجتمع من عوامل تفتيته وتضعيفه وتقزيمه. وليتم قطع الطريق على مزيد من الفردية والتسول المبطن والفوضى.