جميل النمري
رحلت عنا الروح الجميلة والشخصية الأكثر ظرافة في الأردن. بكيت بصمت عليه. كنت احبه واقدر مواهبه الفريدة. وكنت قبل التعرف عليه استغرب وأنفر من شياكته الارستقراطية القادمة من عصر قديم، حتى اكتشفت أن الشكل والجوهر يكتملان في رسم هذه الشخصية الاستثنائية. لقد استحق بجدارة كل منصب وضع فيه ابتداء من الملكية الاردنية. كان ساحر العلاقات العامة ويمكن ان يدير حوارا شيقا مع اي شخصية من اي بلد بمخزون من المعارف والطرائف والثقافة عن كل شيء. سأروي قصّة طريفه واحدة تحكي عن شخصيته. فقد صنع رئيس الحكومة في حينه د. عبد لله النسور مأدبة عشاء تكريما للبطريرك الجديد للقدس بحضور شخصيات مدنية ودينية وما ان اوشكت الايدي ان تمتد للطعام حتى خاطب بلتاجي البطريرك قائلا: سيادة البطريرك هل نأكل قبل ان تصلي على الطعام وتباركه ؟! لم يكن الرئيس والحضور من غير المسيحيين يعرفون عن تقليد رجال الدين بالصلاة على الطعام قبل تناوله لكن عقل كان يعرف وقام بلفتة جميلة وسط ارتباك البطريرك وحرج الرئيس الذي بادر بالوقوف ودعوة الضيف للصلاة على الطعام وساد بعد ذلك جو من المرح والضحك والألفة بلا حدود. لروحك السلام أبا الليث ولذويك وكل احبتك وابناء بلدنا الطيب احر العزاء.
مجرد صدفة؟!!
عام 2003 اصبحت التنمية السياسية على جدول الأعمال العام وتم انشاء وزارة بهذا الاسم. ومن جهتي قررت ان اشتغل بيدي مباشرة وبعمل ملموس على التنمية السياسية بين الشباب فصممت برنامجا تحت اسم «معسكرات الشباب للثقافة الديمقراطية» ويقوم على جمع 100 شاب وفتاة من طلاب السنة الأولى والثانية من جامعات مختلفة ليوم واحد في الجمعة الأولى من كل شهر في احد المعسكرات التابعة لوزارة التربية أو الشباب ويشمل البرنامج محاضرات في تاريخ الفكر السياسي وحوارات حرة مع سياسيين من مختلف التلاوين ومثقفين ونواب ووزراء وتمارين للتمكين والقيادة ومسابقات ثقافية كان الأمر يتطلب جهدا تطوعيا ضخما قمت به مع زملائي في الهيئة الاردنية للثقافة الديمقراطية وقد عصرنا الكلفة المقدرة الى اقصى حدّ بما في ذلك ان يقوم الطلبة انفسهم بالطبخ وتحضير الطعام فكانت الموازنة الاجمالية للأنشطة على مدار عامين هي 32 الف دينار. ولجأت الى برنامج تعزيز الانتاجية في وزارة التخطيط التي كان على رأسها د. باسم عوض الله لاعتماد المشروع والحق انه تحمس لكن تشكك بالموازنة المتواضعة لمشروع بهذا الحجم. وعلى كل حال لم تكن الوزارة تغامر بالقرار فهي لا تدفع شيئا سلفا بل تغطي كلف النشاط نفسه بعد انجازه بموجب فواتير وتقارير مفصلة تخضع للتدقيق. وقد استمرت المعسكرات على مدار عامين ونيف بمشاركة مئات الشباب وفي ختام البرنامج التقى 400 من المشاركين في مؤتمر تحت اسم « شباب من اجل الديمقراطية» في جامعة فيلادلفيا ربع العام 2005 وقاموا بإجراء انتخابات لهيئة ادارية بنظام التمثيل النسبي للقوائم وكانت اول مرة يستخدم فيها هذا النظام في تاريخ الأردن والذي سيعتمد بعد اكثر من عقد للانتخابات النيابية وكنت فخورا بأن العديد من الشباب اصبحو قيادات في مواقع مختلفة مثلا رئيس الاتحاد الكشفي العالمي حاليا وقبل ذلك مفوض الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشباب د. أحمد الهنداوي ورئيس هيئة شباب كلنا الأردن. حاليا عبد الرحيم الزواهرة وكثيرا ما استشهد بهذا البرنامج في معرض انتقاد نمط العمل مع الشباب في ورشات فنادق 5 نجوم تكلف الواحدة منها ليومين أكثر مما كلفنا ذلك النشاط لمئات الشباب لعامين ونيف. أستذكر التاريخ اعلاه بمناسبة أنه تحول أول امس – بعد 18 عاما – على يد ناشر فيديوهات الى قصة فساد تقول بأني قبضت شيكا بمبلغ 82 الف دينار من د. عوض الله. وبالمناسبة فقد كان نصيبي من المعلومات الكاذبة هذا الاسبوع وفيرا عسى ان الأمر مجرد صدفة !!