ينال البرماوي
في خضم الحديث عن توجه الحكومة لتعديل التشريعات الخاصة باللامركزية و البلديات والمجالس المحلية يفترض أن يتم بداية وقبل الشروع بأي تعديلات أو اصدار أي قوانين ان يتم تقييم تجربة اللامركزية والمجالس المحلية رغم حداثتها وتحديد نقاط الضعف وهي كثيرة والقوة ان وجدت حتى يتم معالجتها مستقبلا بحيث لا يكون التغيير مجرد استحقاق شكلي ويندرج في اطار العادة التي أصبحت عرفا في الأردن والمتمثلة بكثرة وسرعة الانقلاب على التشريعات ما يدل على أنها في غالب الأحيان « تسلق « ولا تأتي بناء على رؤى منطقية ودراسات للواقع.
التصريحات الحكومية تؤكد أن تجربة اللامركزية شابها الكثير من الخلل بخاصة تضارب الصلاحيات بين مجلس المحافظات والبلديات والمجالس التنفيذية وأزيد على ذلك أن هذه التجربة الفتية ابتعدت تماما عن الأهداف المستهدفة بل ساهمت في خلق أجواء مأزومة داخل كل محافظة بين مجالس اللامركزية من جهة والبلديات والحكام الاداريين والمديريات التنفيذية وأحيانا النواب من جهة أخرى لدرجة أن الجميع بات يدور في حلقة مفرغة والمنظر العام أقرب الى لعبة شد الحبل للحصول على مخصصات مالية للأسف تراجعت بدل أن ترتفع حتى يشعر المواطن في نهاية المطاف بثمار هذه التجربة التي للأسف يصفها البعض بأنها «ولدت ميتة «.
اللامركزية بحاجة الى مراجعة شاملة ليس من ناحية التشريعات فقط وانما من جوانب منح الصلاحيات ورصد المخصصات المالية واستقلالية القرار بحيث لا تكون مجالس اللامركزية تابعة اداريا للمحافظ وهذا ما ساهم في اضعاف دورها بل يجب أن تكون مرتبطة مباشرة بوزارة الحكم المحلي وامكانية انشاء مجلس «أعلى للامركزية يضم في عضويته رؤساء المجالس واثنين من الأعضاء عن كل محافظة ضمن مهام واضحة ومحددة وتوفير عناصر القوة لانجاحها.
البعد التنموي غاب تماما عن تجربة اللامركزية والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى لعدم توفر الموازنات الموجهة لتحقيق التنمية الشاملة واقتصر التمويل على محدوديته لتنفيذ خلطات اسفلتيتية وفتح القليل من المدارس والمراكز الصحية وغيرها وهذه بالأصل مهام تقوم بها المجالس التنفيذية بمعنى أن اللامركزية لم تأت بجديد حتى الان.
لم نسمع عن قيام أي من المجالس بوضع خارطة تنموية لمحافظته أو كيفية الاستفادة من الفرص المتاحة فيها استثماريا والعمل على جذب المستثمرين بالتعاون مع الجهات المختصة بما يسهم في توفير فرص العمل وتخفيض نسبة الفقر المرتفعة. واذا لم يتم أخذ هذه الاعتبارات بعين الاعتبار من المفيد للمواطن الغاء هذه التجربة والتوقف الى هنا بدلا من الاستمرار بها للسنوات المقبلة وتحميل الخزينة مزيدا من الأعباء المالية تتمثل بكلفة الرواتب والكلف التشغيلية لمجالس المحافظات.