الدكتور محمد حسين المومني
توظيف الشباب كحل للبطالة!
في محاولة للسیطرة على أرقام البطالة المستمرة بالصعود، صدر قرار بإحالة من أتم الثلاثین عاما من العمل للتقاعد، وتخییر من أتم خمسة وعشرین عاما في الخدمة للتقاعد، والأعداد المقدرة للفئتین بالآلاف. الھدف المعلن ھو فتح الفرص أمام الشباب وتوظیفھم بدلا من الذین سیتم إحالتھم للتقاعد، وبالتالي تخفیف نسب البطالة المرتفعة. للقرار إیجابیتان وثلاث سلبیات.
الإیجابیة الأولى المؤملة تكمن في انخفاض أرقام البطالة، والتي یتوقع أن تأتي بنسبة ضئیلة لأن العاطلین عن العمل أكثر بمئات الآلاف من المتوقع توظیفھم. نسبة الانخفاض في البطالة كما یقدرھا خبراء جزء من الواحد بالمائة، ومع ذلك فھي تمثل انخفاضا. أما الإیجابیة الثانیة فھي المساواة والعدالة في إحالات التقاعد، وھو أمر لطالما شكل مرارة عند المتقاعدین الذین استمر مثلاؤھم في الخدمة العامة. وضع معیار سنوات الخدمة للإحالات على التقاعد یحقق العدالة رغم أنھ یساوي بین الخبرات والقدرات المتباینة. یشبھ ھذا القرار ذلك المطبق منذ سنوات حول الإحالات على عمر الستین عاما بدل التباین السابق بین المتقاعدین حتى سن الخامسة والستین باستثناءات من مجلس الوزراء.
سلبیات القرار تكمن أولا في أنھ لن یفید المالیة العامة بل سیزید فاتورة التقاعد ویبقي على نفس نسبة فاتورة الرواتب إذا ما تم تنفیذ وعد توظیف الشباب. ھذا سیزید عجز الموازنة وبالتالي الدین، وھي مؤشرات السیطرة علیھا ھدف أساسي من أھداف برامج الإصلاح الاقتصادي. أي وزیر مالیة سوف یدعم التقاعدات لأنھا تخفف من أعباء موازنتھ، لكن الحال ھنا مختلفة لأن التقاعدات جاءت بھدف استبدالھا بالتوظیف. أما السلبیة الثانیة فترتبط بفئة الأردنیین المتقاعدة والتي خدمت لفترة طویلة من الزمن؛ ھذه الفئة الكریمة عادة ما تكون أمام التزامات معیشیة وأسریة كبیرة، وأي إخلال في دخلھا یؤثر علیھا بشكل كبیر ویولد لدیھا إحباطا، لاسیما وأن فرصھا في إیجاد عمل بھذا العمر تكاد تكون منعدمة.
أما السلبیة الثالثة والأھم فتكمن في العودة عن سیاسة التشغیل واستبدالھا بالتوظیف الذي طالما شكل خللا إداریا ومالیا في الأردن. القطاع العام الأردني من الاضخم على مستوى العالم ولا یتناسب مع قدرات الأردن وموارده المالیة، وھذا التضخم من أوضح مؤشرات الریعیة التي لا قبل لنا بھا. المسار العام منذ سنوات عدیدة یحاول السیطرة على القطاع العام وتخفیض حجمھ لما لذلك من أثر مباشر على عجز الموازنة المزمن وخفض الدین العام. التشغیل ولیس الوظیفة ھو الحل المطلوب والھدف المراد تحقیقھ، ولھذا أتى كل ھذا التركیز على الریادة بین الشباب ومغادرة عقلیة الوظیفة التي قد لا تأتي أبدا وفي حال تأتت فھي لیست إلا حد الكفاف الذي لا یجب أن یكون سقف طموحات شبابنا. الریادة والدخول بتفاصیلھا وتكریسھا نھجا شبابیا أردنیا ھي الطریق لمعالجة البطالة، ولیس التوظیف الذي یفترض أننا غادرناه!