اسعد العزوني
في الثاني والعشرين من شهر مارس /آذار من عام 1945 ،وقبل إنتهاء الحرب العالمية الثانية في الثاني من سبتمبر/أيلول 1945 بستة أشهر والتي أسست لقيام مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية رسميا في 15 أيار 1948 ،نجح وزير خارجية بريطانيا العظمى آنذاك السير أنتوني إيدن،بتأسيس جامعة الدول العربية ومقرها القاهرة ،لإختصار الوقت على نفسه وقصر الإتصال مع شخص واحد ،بدلا من الإتصال ببقية المكلفين من قبل بريطانيا لإدارة المزارع العربية وخاصة في ما يتعلق بالمشروع الصهيوني.
تعالوا نستعرض المآسي العربية التي وقعت على رؤوسنا منذ إنشاء جامعة إيدن العربية التي يطلق عليها جامعة الدول العربية ،وأولاها وأسخمها إقامة مستدمرة الخزر في فلسطين ،وتشريد الشعب الفلسطيني ،وكذلك العدوان الثلاثي على المحروسة مصر وهي دولة المقر عام 1956،وتلا ذلك سلسلة من المذابح والمجازر الصهيونية التي كان الإرهابيون الصهاينة ينفذونها في المحيط وخاصة في الضفة الفلسطينية التي كانت تحت الحكم الأردني بحكم ميثاق الوحدة المقر في أريحا بين الضفتين عام 1950،ولم تقدم جامعة إيدن أي دعم ملموس للأردن لحماية حدوده ومواطنية من الإرهاب الصهيوني المنظم،كما لم تدع الدول العربية الغنية إلى توفير غطاء جوي للأردن يمنع عنه الهجمات الجوية الإسرائيلية .
كإن هناك تحالفا خفيا بين جامعة إيدن العربية وبين مستدمرة الخزر في فلسطين، لأن المصائب إنهالت علينا تباعا ،فما إن نخرج من مصيبة حتى نجد أنفسنا نصرخ من أثر مصيبة أخرى،فبعد العدوان الثلاثي الذي شاركت فيه مستدمرة إسرائيل ،جاء العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن في حزيران عام 1967،وتعرضنا لهزيمة منكرة ،لأن القائد العام للجيوش العربية عبد الحكيم عامر” تولّه في حب وردة “،ولم يكن لديه الوقت الكافي للتفكير في كيفية رد العدوان او الإعداد لحرب تسبقه.
بعد هزيمة حزيران 1970 جاءت أحداث الأردن التي كان للملك فيصل بن سعود كل الأثر فيها ولم تحرك جامعة إيدن العربية ساكنا لمنع وقوعها لأنها لم تكن صاحبة قرار وإنما كانت منفذة لقرار إبن سعود ،وجاء تحركها المعيب بعد أن أحرقت النيران البيدر.
بعد ذلك جاءت حرب رمضان المجيدة 1973،وحول رئيس دولة المقر المقبور السادات النصر المؤزر إلى هزيمة نكراء ،وإنتهى المطاف به إلى خرق الصف العربي المهلهل أصلا بتوقيعه معاهدة إستسلام لمستدمرة إسرائيل ،بدفع من النظام السعودي آنذاك ،وهناك إعترافات مسجلة بذلك .
بعد معاهدة الإستسلام الساداتية أرادت مستدمرة إسرائيل إختبار دولة مقر جامعة إيدن ،فشن الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع النظامين السوري والسعودي والإنعزاليين في لبنان، الذين كانوا يطمحون لإقامة كيان غنعزالي خاص بهم في لبنان،هجوما على جنوب لبنان بعد إبلاغ الملك فهد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بضرورة الإنسحاب من المنطقة الحدودية وطولها 40 كم “أرض فتح المحررة”،وإنتهى المطاف بشارون إلى إحتلال أول عاصمة عربية بعد القدس وهي بيروت ،وسط صمت مطبق لجامعة إيدن العربية التي كانت ترقص على أنغام الموسيقة السعودية.
صمد اللبنانيون والفلسطينيون في بيروت 88 يوما تحت الحصار الإسرائيلي ،ولم نر أي حركة ذات معنى لجامعة إيدن العربية ،وبفعل الضغط السعودي إضطر الفلسطينيون إلى وقف إطلاق النار ومغادرة لبنان إلى الشتات الجديد وسط مرآى ومسمع جامعة إيدن العربية.
يبدو أن جامعة إيدن العربية ولدت وهي محقونة بخلاصة سائل ذبابة التسي التسي المكثف ،وهذا ما جعلها مشلولة الأطراف الأربعة ،ترى ولا تستطيع الكلام او حتى الحرك لمنع الكوارث،إذ نجحت السعودية وبناء على التعليمات الأمريكية في توريط العراق مع إيران بحرب إستمرت 8 سنوات وأكلت الأخضر قبل اليابس،تلاها توريط سعودي أيضا للكويت مع العراق لتدمير العراق، و”تأديب”الكويت التي كانت ناهضة آنذاك بما يفوق ألف ألف مرة ما كان عليه الوضع في السعودية الأغنى والأكبر من الكويت،وكان شخير جامعة إيدن يشق عباب السماء ،إلى درجة أنها إحتضنت قمة عربية قبل دخول الجيش العراقي إلى الكويت ،ولم تقم جامعة إيدن بدور مشرف لمنع الكارثة ،لأنها كانت تسير وفق خارطة الطريق السعودية التي قادتنا إلى الهلاك.
بعد توريط الكويت مع العراق جاء القول الحسم بشطب العراق عن الخارطة العربية،وجرى ذلك وما تزال جامعة إيدن العربية تغط في سبات عميق ،وكأن مخدعها يقبع في الأرض السابعة وبيننا وبينها ألف حجاب وحجاب، ولذلك تعرض العراق لهجمة عالمية قادتها أمريكا وبريطانيا وأسهمت فيها جيوش بعض الدول العربية منها جيش دولة مقر جامعة إيدن ،ولا حراك لهذه الجامعة لمنع العدوان لأن القرار السعودي قضى بذلك ،ولا دور في مثل هذه الأمور لجامعة إيدن.
أثناء نقاش بيني وبين أحد الأصدقاء هنا في عمّان ،صعقني بمعلومة ساقها إليّ ووقعت على رأسي كصخرة حطها الله من عل ،وهي أن جامعة إيدن العربية ستقود لاحقا جهود السلام العربية مع مستدمرة إسرائيل،وأعترف إنني لم آخذ المعولمة بحجمها ،ولكن الأحداث اللاحقة أكدت ذلك ،ووضع النظام السعودي جامعة إيدن علانية في مكانها الصحيح،خاصة عندما أجبرها النظام السعودي على تبني مبادرته الإستسلامية التي أطلق عليها “مبادرة السلام العربية” في قمة بيروت2002 وتنسب للملك عبد الله ،وقبلها فرض على قمة فاس 1982 مشروع الملك فهد الإستسلامي وكان قد تم سحبه من قمة فاس السابقة لمعارضة الغالبية.
جاء مؤتمر مدريد وفرطت المسبحة وغاص من غاص في المستنقع علانية وما تزال جامعة إيدن خرساء طرشاء مكرسة ومقيدة بالقيد السعودي،ولم تستطع فعل شيء للإنتفضات الفلسطينية المتكررة ،ولم تواجه الضغوط التي تعرض لها الفلسطينيون لعقد لإتفاقيات أوسلو سيئة السمعة والصيت ،ولا هي منعت الأردن من عقد معاهدة وادي عربة المعيبة.
الموات الذي غلّف جامعة إيدن العربية وجعلها تبدو كهيئة المتحجرة ،جعلها عاجزة عن التعامل مع الثورات العربية التي إختطفت من قبل أعداء الأمة وتم تمويلها بالمال السعودي لتخريب المسار ،وها هي العديد من الدول العربية تتعرض للإنهيار وتدخل في سجل الدول الفاشلة ،ولم تحرك جامعة ايدن العربية ساكنا ،وها نحن نكتوي بنار صفقة القرن السعودية ،ولم نر وجودا لجامعة إيدن.
ولا ننسى بإن جامعة إيدن “السعودية” لم تعلم على ما يبدو ولم تصلها الأخبار عن قيام الممول السعودي وحلفائه ومن ضمنهم دولة المقر ،بفرض حصار على قطر ،كان يفترض ان يتبعه غزو مسلح ،لإحتلال قطر وتقاسم ثرواتها بين الغزاة وبين شريكهم الجديد الصهيوني كوشنير وصهره ترمب.
بقي القول أن جامعة إيدن العربية التي رعاها وسيّرها النظام السعودي ،تنتظر نهايتها ،لتقوم على أنقاضها جامعة الشرق الأوسط الجديد برعاية إسرائيلية وتمويل سعودي ،وتكون الكلمة الأولى والأخيرة فيها لمستدمرة إسرائيل …وأمجاد يا عرب أمجاد..وشكرا لك يا إيدن.