مكرم الطراونة
ثلاثة رؤساء حكومات سابقين، وخلال أسبوع واحد فقط، أطلقوا تصريحات بمثابة تحذيرات قلقة مما يشهده البلد من تحديات داخلية وخارجية، ومن استعصاء سياسي واقتصادي أصبح من غير الممكن معه تحقيق أي منجز مهما كان صغيرا.
هي صرخات تعدد مطلقوها، ولكنها تشترك في أرضية واحدة، وهو الخوف على البلد نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، وما تفرضه على الأردن من تحديات جديدة يجب دراستها والتعامل معها.
بكل تأكيد، نحن لا نعتقد أن هذه الشخصيات طامحة في في مناصب، أو باحثة عن ألقاب أو مصالح ذاتية، فهؤلاء، وبالنسبة إلى أي بلد، ينبغي أن يعاملوا على أنهم بيوتات خبرة، وأصحاب نظرة ثاقبة، وقادرون على استشراف المستقبل، ورصد التحديات التي يمكن أن تواجهنا في مراحله المختلفة. لا يمكن لنا التشكيك في نواياهم وأهدافهم، فهم يحملون رصيدا معرفيا كبيرا، سواء اتفقنا، أو اختلفنا معهم ومع إداراتهم السابقة للشأن العام، فعندما يتحدث أشخاص مثل عبدالرؤوف الروابدة وفيصل الفايز وعبدالكريم الكباريتي، فهذا حتما يستدعي التوقف عند ما يبوحون به، ولا يمكن لنا إدارة الظهر لهم ولتحذيراتهم.
اللافت في الأمر، أن كلام هؤلاء السياسيين المخضرمين يتقاطع بشكل كبير ووثيق مع أحاديث الشارع الأردني، فالمواطنون يرون أن جميع الملفات مجمدة، ولم يجرِ عليها أي تقدم يذكر، كما أنهم لم يلمسوا أي إنجاز حقيقي على أرض الواقع، بل على العكس من ذلك تماما، فالأمور تزداد سوءا، وجميع الملفات تتراجع إلى الخلف، خصوصا ونحن نرى ضعفا واضحا في الإدارة العامة، وحالة من الترهل في جميع المؤسسات، بينما الواقع الاقتصادي يزداد تعقيدا، ويجبرنا على خيارات صعبة تزيد من تعقيد الحالة.
في السابق، كان حديث القلق على الدولة مما يجري فيها ومن حولها محصورا في أحاديث الشارع الأردني، ومن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما كان المسؤول يقلل من أهمية أحاديث كهذه بالقول إنها “مجرد أحاديث شارع لا تؤخر ولا تقدم”، أو أن تكون أحاديث صالونات سياسية مغلقة نادرا ما تغادر أرضها ومكانها. إلا أن الأمر اختلف كثيرا اليوم، فها نحن نرى الطبقة العليا من النخب السياسية يرتفع صوتها عاليا بالتحذير، وتطالب بالعمل الجاد من أجل أن لا تتحقق فينا النبوءات التي يرصدونها.
يدرك هؤلاء الساسة أن الأردن اليوم لم يعد محاطا بأزمات، وإنما بات غارقا فيها بفعل التحولات التي تشهدها المنطقة، ونتيجة إعادة تموضع الدول وبناء التحالفات التي باتت تعمد في سياستها الخارجية على مفهوم مصلحتها أولا وأخيرا، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور نواة تحالفات جديدة وبأشكال مختلفة، عنوانها الأساسي ذو بعد اقتصادي بحت، فالسياسة تسخر للاقتصاد ليس أكثر. ويدرك هؤلاء، أيضا، كما الشارع، أن الأردن يعاني وضعا اقتصاديا وماليا في غاية الصعوبة، كما لا يوجد أفق لانتهاء هذه الأزمة، فلا سياسات واضحة ولا خطط شفافة لمعالجة الثغرات.
اليوم نحن في حاجة حقيقية إلى حكومة إنقاذ. حكومة رشيقة بملفات محددة، وبإطار زمني محدد لتحقيق أهداف واضحة قابلة للقياس، يتم اختبارها في نهاية الإطار الزمني، وعلى رأسها ملفات الفقر والبطالة والمياه والطاقة واللاجئين وترشيق الإدارة العامة. ما عدا ذلك من كلام منمق سنعتبره للاستهلاك اليومي، ويأتي من أجل مزيد من التخدير للمواطن!