كريستين حنا نصر
عملية فجر الحرية العسكرية من قبل فصائل الجيش الوطني ( الجيش الحر سابقاً) المدعومة من تركيا ، والمتمركزة في منطقة الشمال الغربي لسوريا ، حيث يتواجد الاحتلال التركي في مناطق ادلب وجرابلس والباب وجميعها تخضع لسيطرة كاملة لتركيا ، نجحت هذه الفصائل في السيطرة العسكرية على مدينة حلب السورية والقرى المحيطة واتجهت أيضاً الى مدينة حماة ، ولا أحد يعرف مدى قدرتها على الاستمرار والتقدم تجاه مناطق أخرى، وقد صرحت هذه الفصائل بعد تحريرها لمناطق من تحت سيطرة جيش الدولة السورية ، وجود نيّة لديها بانشاء حكومة إنقاذ تابعة لها بهدف حكم سوريا ، وبحسب ما ينسب لزعمائها فإن شعارها هو تحرير سوريا من نظام الطاغية بشار الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية ، والملفت هنا في كل هذه التطورات العسكرية الجارية مؤخراً وهذه المرة بالتحديد ، أنهم في عملية فجر الحرية من الواضح أن القوات تتمتع بجاهزية تقنية رفيعة ، يعكسها امتلاكهم لأدوات والات عسكرية متطورة جداً ، بما في ذلك ملابس وخوذ ثبتت عليها كاميرات وبحوزتهم أيضاً اسلحة ودبابات حديثة ، وقد كانت العملية العسكرية للاستيلاء والسيطرة على حلب تُستخدم فيها طائرات الدرون ، وهو أمر لافت باعتبار ذلك تكنولوجيا عسكرية متقدمة ، كما رافق العملية العسكرية اعلام حربي يمكن وصفه بالمحترف ، كان حريص على نقل احداث ومجريات المعارك على جميع الجبهات حتى أثناء وقت الليل وبشكل مباشر ، والأهم من كل ذلك هو الانتشار العسكري السريع ، اثناء السيطرة السريعة وبوقت قياسي على حلب بما في ذلك احكام القبضة على مبنى مركز المحافظة ، اضافة الى بلدية حلب وساحة سعد الله الجابري .
ان من الواضح والمؤكد في الوقت نفسه أن هذه العملية العسكرية مخطط لها مسبقاً وبشكل جيد ، وبمدة زمنية تزيد على ما اعتقد عن ثلاثة شهور ، ومن المرجح وفي ضوء طبيعة المعارك ومجرياتها أن القوات المشاركة فيها قد تلقت تدريباً على شن هكذا نوع مباغت من الهجمات ، وهذا بالطبع خضع على ما يبدو لتدريب واشراف من ضباط عسكريين من أوكرانيا ، وذلك بهدف ضمان تجهيزهم لهكذا عملية عسكرية نوعية للسيطرة وحسب زعمهم على كامل سوريا ، والعمل على تحريرها بحسب دعايتهم الاعلامية وتصريحات قيادتهم من حكم الطاغية بشار الاسد ، في وقت شهد حراكاً دبلوماسياً سريعا بشكل لافت ، تجسد في رحلة دبلوماسية وفي وقت حرج قام بها الرئيس السوري بشار الاسد الى روسيا ، التقى فيها بالرئيس الروسي بوتين ، بالرغم من مجريات ما يطلق عليه عملية فجر الحرية ، ليعود الرئيس بشار مسرعاً للعاصمة دمشق بعد هذه الزيارة المكوكية ، وبالرغم من وجود الطيران الروسي في قواعده على الاراضي السورية الا أنه لم يتحرك لمساندات قوات الجيش السوري اثناء الاشتباكات التي نتج عنها احتلال حلب ، وقد صرحت الدولة السورية أن هجوماً مضاداً سوف ينطلق بعد اثنين وسبعين ساعة من تحركات الرئيس السوري وزيارته السريعة لروسيا ، ويبدو واضحاً أن هناك دراية معلوماتية مسبقة لدى الرئيس السوري عن وجود نية لتحركات عسكرية ضده ، وهذا بالطبع مصدره الاختراق الاستخباراتي من قبل الجيش السوري لما يسمى الجيش الحر سابقاً .
وفي اطار المناخ الاقليمي المتزامن مع عملية فجر الحرية ، كان من اللافت توقيت ومضامين خطاب نتنياهو بخصوص ابرام اتفاقية وقف اطلاق النار في لبنان مع حزب الله ، حيث صرح في خطابه أن الاسد يلعب بالنار ، وحسب تحليلي فإن هذا يعني بأن الرئيس بشار الاسد سمح للمليشيات المدعومة من ايران ولقوات من الحرس الثوري الايراني التواجد في سوريا ، وبموافقته ايضاً جرى انشاء خط امداد عسكري يمد حزب الله بالاسلحة في حربه ضد اسرائيل في جنوب لبنان ، وهو أمر يدخل أيضاً فيما يمكن فهمه بأن دعم لوحدة الساحات ، الأمر الذي دفع اسرائيل على ما يبدو الى ضرورة قطع خط الامدادات القائم عبر الاراضي السوري باتجاه لبنان .
وفي السياق نفسه لطالما كانت تركيا تصرح بأن مدينة حلب هي تركية ، وترى أن ذلك منصوص عليه في خرائط ما يعرف بالميثاق الملّي العثماني وبالتالي تريد الاستيلاء على حلب وضمها للأراضي التركية ، وهذه المطامع التركية كانت واضحة في تصريحات متكررة للرئيس التركي اردوغان ، وحلب هذه المدينة العريقة والاصيلة بتاريخها وحضارتها الضاربة جذورها في الماضي ، تعتبر عاصمة الشرق وبلاد الشام ولها مكانتها الاقتصادية حتى لسوريا الحديثة ، وبالتالي يمكن القول انها العاصمة الاقتصادية المعاصرة لسوريا ، وبالتالي فإن الاستيلاء عليها من قبل المعارضة السورية سابقاً رافقه عملية نقل ما تحتويه من معدات والات صناعية الى تركيا بواسطة شاحنات ضخمة، ولكن بعد تحريرها في عام 2016م بدأت العاصمة الاقتصادية من ترميم نفسها مرة أخرى ، وبدأت الاف المصانع من جديد في العمل والانتاج ، ومن المعروف شهرة المدينة بانتاج النسيج ، لذلك يمكن القول أن هدف الجيش الوطني هو ليس ضرب حلب كمدينة صناعية اقتصادية مهمة ، بل ضرب اقتصاد الدولة السورية بكامله وضرب النظام الحاكم .
إن تدخل الضباط الاوكران في دعم العملية العسكرية ، يُعد أيضاً بمثابة ضربة مباشرة للنفوذ الروسي في سوريا وتقليصه وتحجيمه بالقضاء على النظام الحاكم في سوريا ، وهنا ندخل عملياً في حرب القوى العالمية وصراعها على النفوذ والمصالح ، لتكون الاراضي السورية ميدان مواجهات بين الأقطاب الخارجية ، وفي هذه الحرب الجارية الان ( فجر الحرية ) كانت امريكا واضحة في تصريحاتها بأنها لم ولن تتدخل في مجريات هذا الصراع ، وأن وجودها في سوريا هو فقط في منطقة شرق نهر الفرات أي الشمال الشرقي السوري، حيت تتواجد القواعد العسكرية الامريكية ودعمها لقسد وجيش سوريا الديمقراطي ، بهدف القضاء على داعش ولا يوجد لها أي علاقة أو يد في عملية فجر الحرية بقوات الجيش الوطني الممثل للمعارضة السورية ضد النظام الحاكم في سوريا .
الموضوع هنا أن الهدف من هذه العملية العسكرية وبحسب تصريحات الفصائل من الممكن أن يكون محاولة لاسقاط نظام الحكم في الدولة السورية والممثل بالرئيس بشار الاسد ، وبالتالي الاستيلاء على الحكم في سوريا ونقل حكم سوريا من قوى المكون العلوي المدعومة من الشيعة إلى يد المعارضة السنية السورية ، ولهذا السبب بات واضحاً التحالف الشيعي بين القوى الحاكمة في سوريا والعراق ، حيث ارسل رئيس الوزراء العراقي محمد شياح السوداني ارتال من الحشد الشيعي عبر حدود البوكمال لمساندة النظام السوري في المعارك الدائرة شمال غرب سوريا .
وفي اطار هذه التطورات الميدانية طلب النظام السوري من وحدة حماية الشعب الكردية وبعد الاشتباكات مع فصائل الجيش الوطني اخلاء وجودهم من منطقتي الشيخ مقصود والاشرفية في حلب ، حيث يتواجد المكون الكردي فيها والتوجه منها الى منطقة شرق نهر الفرات حيث تتواجد قسد أي قوات سوريا الديمقراطية ، ومن الملاحظ ان الفصائل عازمة على تحرير سوريا من نظام حكم بشار الاسد ، والان وبعد عملية فجر الحرية وما رافقها من الاستيلاء على مدن حلب وحماة ، واضح ان الدولة السورية وحليفتها روسيا دخلوا الان في مرحلة الهجوم المضاد على هذه الفصائل المسلحة في حلب ، حيث كثف الطيران الحربي الروسي والسوري غاراتهم الجوية على الفصائل في حلب بهدف تحريرها واسترجاعها من سيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا واخضاعها مجدداً تحت سيادة الدولة السورية ، واللافت هنا انه وحتى الان ومع كل جهود الوصول الى تفاهم المفاوضات بين سوريا وتركيا للاسف لم تنجح الجهود ، حيث ربط النظام السوري بين المفاوضات والتفاهمات بضرورة الانسحاب التركي من المناطق التي تحتلها مثل عفرين وجرابلس والباب وأدلب ، حيث تتواجد قواعد وفصائل الجيش الوطني ( الجيش الحر سابقاً) .
من جهة أخرى يظهر أن هدف عملية فجر الحرية هي الوصول ايضاً الى العاصمة دمشق واسقاط النظام فيها والسيطرة على مؤسسات الدولة كما جرى تماماً في حلب ، والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل فعلاً يمكن للفصائل الوصول الى العاصمة السورية دمشق واسقاطها ؟ ، أم اننا امام حرب طاحنة بين الميليشيات والنظام السوري ، في حرب ستحدد مستقبل سوريا والتي يمكن ان تكون بمثابة ضغط سياسي مبطن بغرض تحقيق مضامين القرار الاممي 2254 ، وبالتالي دخول سوريا الى مرحلة جديدة عنوانها الحل السياسي واجراء انتخابات رئاسية باشراف دولي وتحريك ملف صياغة دستور سوري عصري ؟ أم أننا سنكون أمام فصل جديد مضمونه دخول سوريا في مرحلة تقسيم حسب خرائط النفوذ؟ ، أم ان سوريا سيكون مصيرها حكم ديني أو حكم علماني تعددي ونظام لا مركزي يحفظ وحدة اراضيها ؟ .
اعتقد أنه يجب على سوريا التي عانت من حرب طاحنة مدمرة منذ عام 2011م الى الان أن تدخل مرحلة حل سياسي سلمي لانهاء الحرب فيها ، والعمل على اعادة اللاجئين اليها ، واعتقد أن الشعب السوري الذي عانى كثيراً جراء الحرب يجب أن يعيش بسلام. فهل سيتم القضاء على كامل الفصائل والميليشيات المدعومة من دول خارجية واعادة بسط سلطة وسيادة الدولة السورية وعلى كامل اراضيها ؟ ، نحن عملياً أمام مرحلة مفصلية في سوريا وتحديداً موازين القوى فيها ، وحتماً سوف يكون لمجريات ما يحدث في سوريا تأثير على الدول المجاورة ، والأيام القادمة سوف ترسم خريطة النفوذ للحكم المهيمن وهذا نتيجة طبيعية للصراعات في سوريا.