د.حسام العتوم
حرب عالمية ثالثة تقودها روسيا . كيف
لقد ولدت روسيا قيصرية في عهد ايفان الرابع 1547 و الكسندر الثاني 1881 ، و تمنكت من التوسع و صناعة ما يعرف اليوم بسيبيريا ، وسجل التاريخ القديم عليها بيع اقليم ” الاسكا ” لأمريكا لأسباب اقتصادية عام 1867 ، و لم تطالب به روسيا السوفيتية و لا المعاصرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 و اعتبر من طرفهم حالة بيع و شراء . وسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914/ 1918 يعود لحادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند و زوجته من قبل طالب صربي اسمه غافر عام 1914 ، و بسبب قصف النمسا المجر للعاصمة الصربية بلغراد . و النازية الألمانية و دول المحور بقيادة أدولف هتلر هم من بدأوا الحرب العالمية الثانية عامي 1939 / 1941 ،و هو الذي أثبت صحته البروفيسور النائب الروسي فيجيسلاف نيكانوف في كتابه ” من بدأ الحرب ؟ ” .
و أول دولة عظمى استخدمت السلاح النووي فور صناعته نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 ضد اليابان في حادثتي ” هيروشيما و ناكازاكي ” كانت الولايات المتحدة الأمريكية ،و كادت أن تكرر الضربة للاتحاد السوفيتي عام 1949 لولا اكتشافها صنعه لقنبلة مماثلة وقتها . ولم يستخدم الاتحاد السوفيتي الترسانة النووية يوما وحتى الساعة منذ الاختراع الأول . و تمسك بجزر ” الكوريل ” بعد مهاجمة اليابان له نهاية الحرب الثانية ، و كذلك روسيا المستقلة لم تفرط بهن ، و اعتبرته أمرا سياديا ، لذلك انحازت اليابان الى جانب أمريكا في حربيها ضد روسيا عبر ” كييف ” عامي 1922 / 1924 ، ومع إسرائيل ضد حماس و العرب عامي 1923/ 1924 .
و روسيا الاتحادية اليوم دولة فوق نووية بهيئة قطب عملاق مساحتها هي الأكبر عالميا ، حيث تتجاوز 18 مليون كليومترا مربعا ، و هي متطورة على مستوى السلاح التقليدي نوعا و كما ، و كذلك على مستوى التكنولوجيا الدقيقة ذات العلاقة بالأسلحة ومنها النووية و التقليدية ، و على مستوى الصناعات النووية السلمية و غزو الفضاء . و هي الخامسة في الاقتصاد عالميا ، و تشارك في تحالفات اقتصادية عملاقة مثل ” اتحاد الدول المستقلة ، و شنغاهاي ، و البريكس الذي ستقود أعماله هذا العام 2024 . و توجه دول و أقطاب العالم صوب التعددية و للعزوف عن أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . و ثمة مسافة واضحة من النقطة صفر بين أحادية القطب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و بين تعددية الأقطاب بعد اندلاع العملية الروسية الخاصة الدفاعية التحريرية الإستباقية بتاريخ 24/ شباط 2022 . ففي الوقت الذي تحرص فيه أمريكا و معها الغرب على التغول على اقتصادات العالم ، و الهيمنة على أركانه ، تتوجه لتعددية الأقطار للتعامل مع كافة الأقطاب العالمية غربا و شرقا و جنوبا من زاوية الند للند .
ليس من استراتيجية روسيا الاتحادية السياسية و العسكرية و الأمنية القومية الذهاب لحرب عالمية ثالثة ، و لا تخطط لمثل هكذا توجه غير مسؤول . لكنها لن تبقى صامته لو فرضت الحرب عليها مباشرة و حتى لو كانت تقليدية ، و ردها سيكون أسرع من الصوت أكيد وفي حالة المساس بأمن الحلفاء . و لقد قالها الرئيس فلاديمير بوتين يوما ، و منذ فترة قصيرة ، بأنه لو تم توجيه السلاح التقليدي حتى تجاه بلاده روسيا ، فإنها ستقابل مصدر النيران بمائة صاروخ نووي بعد التأكد سريعا من الجهة المعتدية . وهذا يعني بأن القوة النووية الروسية العملاقة هي رادعة فقط ، و مهاجمة عندما ينادي الوطن الروسي و يعتدى عليه خارجيا من أية جهة ماعدا دول المنظومة السوفيتية السابقة و منها جورجيا و أوكرانيا ” كييف ” التي تعاملت معهما و لازالت بالسلاح التقليدي .
لسيت روسيا التي تضمر الشر للتحالف الغربي – الأمريكي ، و انما العكس تماما ، فالمكر صفة ملتصقة بأمريكا و غربها . و لقد أقامت روسيا السوفيتية و المعاصرة علاقات حميدة مع الغرب ، و زيارات بينهما رفيعة المستوى ، و اتفاقية مينسك ، و الرباعية الدولية ، و جلسات جنيف شهود عيان . ولقد بادرت روسيا لمد يدها لأمريكا و الغرب في بداية عهد الرئيس بوتين و بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لدمج روسيا بحلف ( الناتو ) بهدف لجم سعير الحرب الباردة و سباق التسلح ،و ليعم السلام العالم ، و التنمية الشاملة كذلك . وكلنا نعرف في المقابل بأن حلف ( وارسو ) تم تفكيكه عام 1991 تزامنا مع انهيار الاتحاد السوفيتي ، و بقيت روسيا تناضل وحدها و تساندها الدول المستقلة عن الاتحاد ، و تجذف صوب عالم خالي من أحادية القطب و تسوده أقطاب متعاونة اقتصاديا و رافضة للعنف و الحروب و الاحتلالات .
و ليست روسيا من بدأت الحرب التي يطلق عليها تضليلا ” الأوكرانية ” ، و انما حراك التيار البنديري المتطرف و نظام ” كييف ” السياسي المشابه له ، و بالتعاون مع الغرب الأمريكي و أجهزتهم الأستخبارية . و تعتبر أمريكا و بريطانيا الأشد عدوانا لروسيا و للعرب أيضا وسط منظومة ” الناتو ” المحاربة لروسيا بالوكالة و مباشرة الى جانب إسرائيل في غزة و ضد الحوثيين أهل الفزعة . و لديهما و مع دول ” الناتو ” جاهزية الأنقضاض على أية دولة عربية و على ايران حالة توسع الحرب في منطقتنا .و نراهم يفشلون في حربهم مع روسيا بالوكالة ،و لقد استنزفوا معا خزائن الغرب المالية و بحجم تجاوز مئتي مليار دولار في حربهم الأوكرانية الخاسرة ، و لا زالوا ينفقون المال الأسود و لكن بكميات أقل بكثير بسبب تفرغهم للحرب في غزة لجانب إسرائيل الاحتلالية الاستيطانية العدوانية .
و الموقف الروسي من حرب غزة كان و لازال أكثر نظافة من موقف الغرب الأمريكي ، و يكفينا مبادرة روسيا عبر مجلس الأمن للدعوة لوقف الحرب فورا ، و هو الذي قوبل بفيتو أمريكي مشين رافض . و دعت موسكو بعد استضافتها حماس و الجهاد لحوار مع إسرائيل ، و لم تعتبرهما الا حركات تحرر و أيدولوجيا ، و لم تصنفهما في دائرة الارهاب كما فعلت إسرائيل و كما فعل الغرب الأمريكي مجتمعا .ووجهت روسيا ومعها الشيشان مساعداتهما الانسانية لأهل غزة ، أهلنا . و تقف روسيا بصلابة الى جانب ضرورة مغادرة إسرائيل لحدود الرابع من حزيران وفقا للقانون الدولي و قراره 242 . و تساند قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية الى جانب إسرائيل بهدف نشر الاستقرار ، و لضمانة حق العودة و لتجميد الاستيطان غير الشرعي .
ولقد وقع الرئيس بوتين بتاريخ 2/ نوفمبر / 2023 على قانون الغاء التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ، بعد موافقة مجلس الاتحاد الروسي على الالغاء ، وهي المعاهدة التي انضمت اليها روسيا عام 1996 وصادقت عليها عام 2000 و التي تحظر كل التجارب النووية في أي مكان في العالم في الجو و الفضاء و تحت الأرض وتحت الماء و التي لم يتم تطبيقها نظرا الى عدم انضمام عدد من الدول النووية الرئيسية اليها و ابرزها الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و كوريا الشمالية و إسرائيل . و السبب وجود تهديد للمصالح الوطنية الروسية عبر اصرار أمريكا و أوكرانيا على رفض المسار السياسي ، و زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا ، و تنفيذ ( الناتو ) لمناورات عسكرية نووية ، و زيادة الأنفاق العسكري للناتو . و ختام الحديث هنا هو بأن روسيا لا تقبل بالحيط الواطي و تتعامل مع الغرب الأمريكي و مع الناتو بالذات وجها لوجه و ند يقابل الند . و أمن العالم بالنسبة لها خط أحمر . و هكذا يجب أن يكون بالنسبة للغرب و لكل دول العالم وسط النادي النووي .