أ. سعيد ذياب سليم
حياتنا الافتراضية “
كانت أسعد الأوقات تلك التي نلتف حول جدتنا في ليالي الصيف تحدثنا فيها عن حكايات الغولة و الحمامة المغرورة
والشاطر حسن، كانت تبدأ بتعويذتها الآسرة “كان ياما كان في قديم الزمان …”. قصص ألهبت أحاسيسنا و أفزعت ليالينا
وطاردتنا في وحدتنا، لم تستطع ” لامظة الكاز” أن تمنع عنا الخوف ولا التصاقنا بجدتنا. كان ذلك .. منذ زمن بعيد .
ثم علمنا أنها قصص مر ذكرها في” ألف ليلة و ليلة “و”كليلة ودمنة” تناقلتها الذاكرة الشعبية مشافهة فلم تكن جداتنا
يعرفن القراءة. اكتشفنا بذلك مصادر أخرى للحكاية هي الكتب، فعشقنا رفاهية القراءة وترفها. كانت هي مغامرتنا
الأولى بحثا عن ذلك السحر الذي تثيره الحكاية.
مررنا بالرواية أولا، توقفنا عندها طويلا ومازلنا، ربما لأنها تحيي فينا الطفولة وتعيد لنا شغف الحياة!
منها تعلمنا أسرارَ الحياةِ البحثَ في حيوات الآخرين زادنا فضولا وأكسبنا مهارات الاكتشاف. سافرنا معها شرقا و غربا،
قطعنا الفيافي و الغابات، تحدثنا بلغات عدة، قادتنا إلى الفلسفة والعلوم ,وموضوعات أخرى.
ويأتي من يقول أنا لا أقرأ الرواية، ما بال فتياننا؟ ما الذي يشغلهم عن جمال الحياة وتنوعها وغناها؟ كيف لنا أن نحظى
بشخص متزن عاطفيا وفكريا متمتعٍ بأدب التعامل الخلّاق منفتحٍ على الثقافات الإنسانية الأخرى يتعامل مع الحياة بإيجابية؟
نعم، إيقاع الحياة السريع وذراع التكنولوجيا الطويل جعل منا المعرفة على بعد لمسة لأيقونة واحدة على سطح “الآي باد”
لتنهال علينا جبالها، كمّ هائل من الصور و الصوتيات والفيديوهات و النصوص الإلكترونية لا نملك من الوقت ما يسمح لنا
بتصفحها. دفع الكتاب التقليدي للتراجع ووضع أبناءنا في بيئة لا توفرها حتى الأحلام على عنفوانها. وماذا عنا؟
ينسحب كل منا إلى غرفته، ليخلو بهاتفه الذكي وعالمه الافتراضي تاركا أمر التربية للشبكة العنكبوتية وسحرها.
فالأم والأب و “تيتا” أيضا يعيشون في دوائر متباعدة لا يلتقون إلا مصادفة على صفحة “الفيس بوك”.
دعونا نعترف بهدوء أن هناك إيجابيات قدمتها لنا المعرفة الرقمية، لكنا نفتقر إلى مهارات استخدامها بشكل سليم يسمح
لنا أن نفعل ما هو ضروري لحياتنا لبناء شخص متزن وأسرة فاعلة و مجتمع متكافل. وأن هناك استخدامات أخرى غير
التسلية، بل تدخل في صلب أعمالنا على تنوعها، لكن انتشارها المتسارع وضعنا في حالة من الذهول كأننا سقطنا مع أليس
في بلاد العجائب ، لم نستطع السير معها بل خلفها نلهث بمسافة كبيرة.
هل سندركها يوما ؟ هل سندرك الزمن الذي يجالس فيه الحفيد جدته تساعده في استخدم أحد تطبيقات “الآي باد ” ؟
أم نصبح كائنات هلامية في عالم افتراضي؟