خطاب يستحق أن يوصف أنه خطاب قوة الدولة الأردنية وقوة شعبها صاحب العزم الذي كتب قصة نجاح اسمها الأردن. الملك، في خطابه الاستراتيجي السنوي الأهم، يشير لبعض من عناصر قوة الدولة؛ مائة عام على عمرها مليئة بالتحديات كاسرها الأردن وخرج في كل مرة أقوى ونظرة سريعة على الأعوام المائة الماضية تدلل بوضوح على صلابة الدولة وشموخها، وفي دلالة أخرى على القوة، أشار الملك لالتزام الأردن بالاستحقاقات الدستورية رغم ظروف الجائحة، وهو ما يؤشر على قوة الدولة وعلى إعلاء أركانها الدستورية وتقاليدها السياسية، ويبين جلالة الملك أيضا أن قوة الشعب وعزمه وثباته من أهم عناصر قوة الدولة ومنعتها، فقد حقق هذا الشعب العظيم الإنجازات وطاولت رأسه أعتى التحديات، وفي معرض خطاب الملك إشارة عز وافتخار لأحد أهم عناصر القوة والفخار الوطني، وهي المحببة للملك والقريبة لعقله وقلبه، وهي القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي والأجهزة الأمنية الساهرة على أمننا واستقرارنا. يختار الملك في المناسبة الدستورية الأهم التذكير ببعض من أركان قوة الأردن وشعبه، وفي ذلك دعوة واضحة إلى حق الأردنيين في الافتخار ببلدهم وتاريخهم وقيمهم.
المرحلة المقبلة تتطلب التنسيق والتكاملية في العمل بين السلطات جميعا، وهو ما أكده الملك من ضرورة العمل بروح الفريق بعيدا عن المصالح الضيقة، وأن يكون نبراسنا جميعا المصلحة العامة وخدمة المواطن والأردن. هذه من متطلبات استعادة الثقة بين المؤسسات والمواطن؛ تكاملية العمل وضرورات التنسيق لا تغول لسلطة على الأخرى بل أن نلتزم بالصلاحيات الدستورية لكل سلطة من السلطات كما وردت بأحكام الدستور.
يشير الملك أيضا إلى أهمية المضي بمكافحة الفساد بأشكاله ومستوياته كافة، وهو يعلم كم أن هذا الجهد الوطني مهم وقريب لما يريده الأردنيون. صحيح أن ثمة مبالغات بالحديث عن الفساد يستفيد منه الفاسدون دون غيرهم فيما تتلوث صورة الوطن، لكن هذا لا يعني أن لا نستمر بالمضي بإقدام بمكافحة الفساد كما نصبوا كمجتمع وكما يشير الملك في خطاباته وتوجيهاته. ينبه الملك أيضا لضرورات المواءمة بين الاقتصاد وعافيته مع الإبقاء على أولوية صحة المواطن في ضوء الجائحة التي نشهد.
يختم الملك توجيهاته ورؤيته الاستراتيجية لأهم التحديات والملفات، بتأكيد موقف الأردن الراسخ من النزاع الأطول والأمرّ القضية الفلسطينية بضرورة قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، فتلكم مصلحة أردنية عليا، وغياب العدالة للقضية الفلسطينية سبب مغذ رئيس للعديد من نزاعات الإقليم وتطرفه وانعدام استقراره.
وللقدس مكانة عند الملك والهاشميين، فهم أصحاب الوصاية منذ أكثر من مائة عام، ويعتز الملك بحمل شرف هذه الوصايا والذود عن القدس، ويراها رمزا للسلام لا عنوانا للفرقة والتقسيم والنيل من السلام في مدينة السلام.
خطاب العرش؛ المناسبة السنوية المهمة التي تتضمن طرح التوجهات الاستراتيجية للدولة ممثلة بالملك، ويبقى على السلطات أن تعمل ضمن نهج ومظلة هذه التوجهات التي يحددها حامي الدستور وضامنه، ومظلة السلطات الثلاث وحامي التوازن فيما بينها، وهو دستوريا وسياسيا جلالة الملك.