سعيد الصالحي
“هي الدنيا وين رايحة” أكثر جملة أسمعها منذة عدة أشهر، وتأتي في المرتبة الثانية بعد البسملة عند افتتاح أية جلسة، والبعض يطرحها مستفهما مستنكرا والبعض يلقي بها كعصا موسى ليلتهم أحاديث الآخرين ويبدأ بالتحليل والتأويل والانتقاد والاستعراض.
ودائما ما تأتي إجابة “خليها على الله” هي خاتمة القول لهذا السؤال، حتى بات السؤال عن أحوال الدنيا كالسائل عن الساعة حيث يتساوى السائل والمسؤول، وبتنا ننتظر أشراط الحياة، حتى نعلم متى سيدب الحياء في هذه الحياة ونبعث أحياء من جديد.
فهذه الدنيا لا تنتظر أحدا، ولا توقف عقارب ساعتها البيولوجية حتى ينجز فلان ما وعد أو حتى ينهي علان ما بدأ، فالحياة لن تقوم بلا آمال وأهداف وطموحات وأحلام وربطة خبز وحزمة كرامة خضراء ورشة حب على وجهها، ولن ينفخ في صور هذه الحياة إلا أذا تخلينا عن هواية عد الأيام وتوقفنا عن إعتبار أن تكرار المشاهد كل يوم يكسبنا الخبرة ويضفي علينا الحكمة.
أما أنا على الصعيد الشخصي فقد مللت وفقدت الأمل في أن تتغير الدنيا، ولم يعد يعنيني “وين الدنيا رايحة”، وصدقوني إذا قلت لكم أن زلزال سوريا وتركيا قد زلزل بداخلي الكثير من الأشياء لكنه لم يهدم ذاتي كما هدمها الاستغلال وعدم التقدير والنفاق والكذب والطمع والإدعاء والتكبر، فهذه السلوكيات باتت تشق قشرة مجتمعنا وتضغط على أعصابه حتى انسلخ عن جلده وصار مجتمعا آخر.
فكل شيء هذه الأيام يذهب عكس الاتجاه المطلوب، لدرجة أننا صرنا نتأخر ولا نتقدم، نهبط ولا نصعد، ويضيق صدرنا ولا يتسع، ونهتم بصحتنا البدنية على حساب النفسية، كل شيء يسير بالمقلوب إلا “المقلوب” ما زال متمسكا بثوابته ويصر أن يمشي دغري حتى نحتار في أمره.