أ. سعيد ذياب سليم
درب الآلام
تهتز للمفاجأة، تتنبه متأخرا، لا بد من الذهاب للطبيب، تقف في بابه وقوف المحتاج، فهو حامل مفاتيح أسرار الداء
و الدواء، ومن غيره وقد أضناك الألم ، وجافاك النوم، و أتعبك السهر ، لم يجدِ منقوع جدتك من قشر الرمان، ولا
وصفة الدواء التي استشفى بها أحدهم من قبل، تذهب إليه، بعد أن تجاهلت كل المؤشرات التي بعثها الجسد صارخا ألما،
وأصبح هو الحل الوحيد.
ترتمي بين يديه، يجس مواضع الألم، يضغط بقوة مرة و برفق أخرى، يشاغلك بالحديث، تصرخ ألما، لا تمانع أن يمر
بيديه على أماكن خاصة، يسألك أسئلة غريبة، لم تفكر بها من قبل، لكنه يصف اللون والقٍوام لإفرازات الجسم، تبهرك
معلوماته، يخط بدفتر ملاحظاته شيئا، ويرسلك باتجاه المختبر، لعمل التحاليل.
تركض ومن برفقتك باتجاهات شتى، تسأل عن المختبر حتى تصل، فإذا جئت بتقريره، ونظر الطبيب بين أسطره وكأنه
أحد سحرة فرعون، يضع يده على جبهته ، ليقول حائرا: ” التحاليل ممتازة لا يوجد فيها شيء” ، ترتاح قليلا متجاهلا
كل الآلام التي تكابدها، وتسأل:” إذن ماذا يحدث لي ؟” ، يزم شفتيه و يستعرض في الذاكرة حالات مشابهة، ثم ينطق
نبوءته، نبوءة العارف بالأسرار، ربما طفيل من وحيدات الخلايا حصلت عليه من إحدى وجبات الطعام، يخط بكتابته
الهيروغليفية عبارات سحرية، وتركض بوصفته لإحدى الصيدليات القريبة جدا من العيادة.
يقرر الجسم أن يتعاطف معك في الليلة الاولى، تنام قليلا، فقد أنهكتك جرعة الدواء، وتعيش ذلك الدور الذي
وصفه الطبيب العارف بالأسرار، لينتهي ” الكورس” العلاجي الأول، ثم الثاني، لتصحوا وقد وجدت نفسك في قسم
الطوارئ في المستشفى القريب.
البعض حولك يسأل عن الإدخال أو يستعجل الطبيب المناوب، ثم دورة جديدة من البحث في تاريخك الطبي تشمل
تحاليل جديدة لتكون “ممتازة” ولكن لا تثبت شيئا، صورا بالأشعة السينية، لا يستطيع تفسيرها الطبيب المناوب فيرسل
للاستئناس برأي ” الجراح” الذي يأتي بعد انتظار طويل وقد أشرقت الشمس، يتهامسان تستمع عن بعد و تجمع في
ذاكرتك كل الكلمات التي تعرفها باللغة الإنجليزية محاولا أن تسترق بعض المعلومات، لا تفلح طبعا في ذلك فهم يتكلمون
بإنجليزية غريبة لا تُدرّس في المدارس ، يأتيان باتجاهك وقد زاد معدل دقات القلب ولعبت بك الهواجس، لتكتشف أنه
يجب مراجعة العيادة صباحا و بما أننا الآن صباحا فانتظر ساعتين أخريين حتى تبدأ العيادة باستقبال زبائنها- أقصد
مرضاها.
بين جرعات الألم كنت مستمرا في قراءتي لرواية “باولو كويلو ” ” الرابح يبقى وحيدا” ، متابعا “إيجور” وأفعاله،
شخصية معقدة، محارب قديم، يتقن فن القتل، ينفذ جرائمه في مواقع غاية في الجمال و تنعم بالسلام، يرسل الموت إلى
ضحاياه في لحظة اطمئنان وسلام منهم، ليموتوا في صمت وشلل تام وبلا مقاومة ، أثناء انشغال الناس في مهرجان كان
السينمائي، هو رجل أعمال يقوم بتدمير العوالم – كما يقول- من أجل استعادة طليقته منفذا بذلك وصية الإله كما يعتقد.
تغطيك سحابة من الغموض و الخوف من المجهول، فإن المغص الذي كان سيذهب عنك بمنقوع الأعشاب وكان بسبب
كائن ما، أصبح وحشا أسطوريا جعل كل من حولك يتهامسون، تدخل في مرحلة جديدة من الاستقصاء، لتذهب إلى عيادة
طبيب في أحد الأحياء الراقية، تدخل إليه، تجذبك الاناقة و الجمال في توزيع الأشياء وانتظامها، يستقبلك ببشاشة واضحة،
يدفع عنك الخوف بطرافته، ثم يشخّص الحالة بتواضع العالم، ولكن لتأكيد التشخيص لا بد من اختراق الجزء الأسفل من
الأمعاء،”Endoscopy” تنظير ؟
أحاسيس مختلطة من ألم وتوتر وإحساس بالحرج، بين الوعي واللاوعي، وهلوسات بتأثير “البنج”، تَقرّرَ أنها قرحة
معوية، تنتهي رحلة الاستقصاء لتبدأ مرحلة الاستشفاء بعد أن قطعت البحار السبع التي أبحر بها قبلك السندباد.
كم هي مرتفعة فاتورة المعاناة!
ما زلت أبحث في رواية “باولو كويلو” عن نهاية ” إيجور”، ذلك الذي يخلص الناس من آلامهم بطريقته الخاصة !
أيُعْقَلُ أن يخرج من الرواية، ويجلس في عيادة أو يسير في أروقة المستشفى، ينتقي ضحاياه و يرسلهم إلى العالم الآخر
سعداء؟ أخشى أن أكون رأيته في مكان ما ! أم هي هواجس ليس لها أصل من الواقع؟