في رحلة إلى أقدس الديار وأطهرها وعلى مدار خمسة عشر عاما على التوالي تمضي عمرة ونلقى الأحبة السنوية .
رحلة ليست كأي رحلة كيف لا وهي بنداء ودعوة ربانية يسمو النداء و تحلو الاجابة الدعوة التي يخص الله بها ويختار بين فينة وأخرى عددا من عباده وهي نعمة من أكبر النعم.
وكانت الانطلاقة وشوق تحمله النفس فمن يخبر حلاوة ما بهذه الرحلة من لذة يبقى يحن ويحن للزيارة وشعور يقول وعجلت اليك ربي لترضى .
وخواطر تختلج النفس على أكثر من محطة ففي الطريق الى المدينة ينتابنا التعب والمشقة لكن أين نحن مما قاساه رسولنا محمد صلى الله وعليه وسلم من تكبد وجهد حتى تصل رسالة الاسلام بنورها وكل ما فيها من طيب وتسامح.
وعلى مشارف المدينة المنورة بدأت تتراءى أنوار المسجد النبوي ليدخل القلب نورا وطمأنينة وشوق للقاء رسول الله .
وجاءت اللحظة لدخول الروضة التي قال فيها الرسول ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فبعد السلام على الحبيب وعلى صحبه الكرام كان هناك اعتذار لرسولنا عما وصلت اليه أمة الاسلام من هدر لدماء المسلمين وبعد عن الاحتحكام لكتاب الله وسنته بعد أن باتت قوانين حقوق الانسان وغيرها مرجعية لنا أما أخلاق امتك يارسول الله بعدت وبعدت عن جوهر الاسلام وما التدافع الذي نراه ونحن نشرع بالدخول للسلام عليك الا مثال لما وصلنا اليه ونسوا أو تناسوا قولك :”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه “وقولك :”أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا “وليس بكثرة نسك أوعبادة.
استوقفني الطريقة التي يتم بها الدخول على أشرف الخلق وكيف لا توجد طريقة أكثر تنظيما تضمن الدخول دون تدافع أوتزاحم وكان الأجدى بوضع لوحات على المدخل أن تتضمن آيات قرآنية أو أحاديث نبوية بدلا من أسلوب الأمر والنهي فيها ما يحث على حسن الخلق واحترام الآخر وعدم ايذاء المسلم لأخيه المسلم..
ومغادرة للمدينة المنورة ولحظات وداع على أمل اللقاء في عودة قريبة لتلك المدينة التي ما أن تطأها لتشعر بأن النفس قد هدأت واطمأنت ليتم التوجه بعدها الى منطقة الاحرام المحطة التي ستؤهلنا لأداء مناسك العمرة وعلى الطريق الى مكة تعلو أصوات التلبية بما فيها من توحيد لله وشكر للنعم وتعلو معها النبضات في شوق لا يعادله شيئ .
ونمضي بخطواتنا لرؤية المشهد الأروع مشهد رؤية البيت الحرام الذي ما أن تراه مرة بعد مرة وكأنك تراه للمرة الأولى وقشعريرة تسري للأوصال ودموع تفيض من هول المنظر.
وطواف حول الكعبة تطوف معه توبتنا واستغفارنا وتذللنا لله جل في علاه بأن يرضى عنا ويتقبلنا ويجيب دعاءنا نسمع فيه كثير من الآهات والأنات حالة من الانكسار بأحلى صوره .
وسعي بين الصفا والمروة وما فيه من الحركة والعمل وهي دعوة لنا بالسعي بالحياة بكل ما اوتينا من جهد وقدرة فهو أمر الهي أن نتوكل عليه ونعمل ونتعب لتحقيق المراد .
كم من النعم نستشعرها بتلك الرحلة من بينها ان اختصنا الله بلغتنا العربية والتي هو عون لنا في قراءة القرآن وتدبره في حين نرى من حولنا من كثير من أجناس مختلفة وقد صعب عليهم الأمر وصعب تواصلنا معهم غير انهم يتعاملون مع الله الرحيم الأعلم بعباده.
ما يميز رحلة ونلقى الأحبة عن غيرها تلك الصحبة الطيبة والجو الايماني والعائلي وما فيه من الروحانية ومتعة العبادة برفقة ثلة منوعة فمع الداعية المتميز برهان النمر تحلق الروح ويرق القلب وتدمع العين بخواطره الايمانية التي تزيدك حبا وتقربا الى الله وسردهي القصصي عن أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام كل هذا خلال الرحلة وفي جولة ممتعة في المدينة المنورة وسرد لأحداث تستشعر كانك تعيشها .
اما المدرب الدولي الأستاذ علي ذياب المتخصص في علم التسويق الذي أسقط علمه في العلاقة مع الله ويبدع في كلامه بأن أعظم بيعة تمت بيننا وبين الله عندما أعلنا دخولنا بوابة الاسلام وتوحيدنا له سبحانه
فهي الصفقة الأكثر ربحا تحجز فيها مقعدك من رضا الله ودخول الجنة فأنت طوال حياتك في عملية دفع مستمر لثمن مقعدك في الآخرة يحدده عملك ووجهتك مهما كان وضعك الاجتماعي او الاقتصادي أو النفسي هناك المقاييس مختلفة تماما فيها من العدل والرحمة.
ويحلق الدكتور عمير الحجازي في سرد معنى الحب ذلك الحب الأسمى ونحن في مدينة رسول الله وعن حبنا له وعن حالة الحب التي كانت ايام رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمر الله عز الله وجل لنا بحبه في قوله تعالى : “النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ “
وتذكير بأن نحب الرسول أكثر من أنفسنا وأهلنا وعشيرتنا وكل ما نملك يتجلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده”
وتحقيق ذلك الحب باتباع سنته والسير على نهجه “قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني “
وهو صلى الله عليه وسلم يضرب مثلا ساميا بحب الآخر وفي حبه لزوجاته يقول في حب زوجته خديجة “اني رزقت حبها “وفي قوله “لا تؤذوني في عائشة رضي الله عنهما.”
ويصحبنا المنشد محمد صبح في مقطوعات من الأناشيد وبصوته الشجي تضفي للقلب روحانية وصفاءً .
وسؤال لماذا العمرة وتكرارها فهي امتثال لأوامر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم “تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد “
وقوله العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة ” فهي محطة لتجديد الايمان يقول رسولنا الكريم “ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى أن يجدد الايمان في قلوبكم”
ودعوات بأن يصطفينا الله لنكون من زوار بيته الحرام كل عام وأكثر .