سهير جرادات
رصاصة الرحمة
في بلادي يمارسون طقوس (الموت الرحيم )، عندما يَضعون حدا لحياة (الخيل الأصايل)، بإطلاق رصاصة الرحمة عليها ، في حال وقوعها وإصابتها بالكسر ، حتى لا يقتلها الشعور بالعجز ، لأن قدميها أصبحتا ضعيفتين ؛ لا تقوى على حمل جسدها، ورغبة بتخليصها من الآلام التي تعانيها .
وفي بلادي يُبقون على السياسيين بعد إقصائهم وظيفيا، وفور انتهاء دورهم ، تصدر الأوامر “بتكريجهم ” على جنب الطريق السياسي ، وركنهم على الرف ، مع إبقائهم في حالة التأهب القصوى ، ليصار إلى اقتيادهم كلما دعت الحاجة لهم لتقديم مشهد ما ، وتأدية دور محدد لهم ،أو إسناد مهمة كشف ورقة مخفية ، أو الإعلان عن بند من بنود اتفاقية السلام، التي وقِّعت سابقا مع العدو، أو الإفصاح عن سر جاء الوقت لاطلاع الملأ عليه ، أو يُطلب منهم المناكفة ، أو الانتقال إلى صفوف المعارضة ، التي تصل في بعض الأحيان إلى “المجاحشة” ، أو إثارة الجدال حول موضوع ما ، أو إطالة اللسان ورفع العيار ، أو رفع راية الإصلاح والمطالبة بإصدار (وثقية مطالبة بإلإصلاح )، من خلال تحالفات أو جماعات طُلب منها المساعدة والمساندة من قبل أجهزة الدولة ، بهدف تنفيذ إستراتيجيات رسمت لغايات الوصول إلى إدخال الشعب في حالة فوضى في المشاعر ، والاضطرابات الانتمائية ، والانقسامات الولائية.
في بلادي كانت الخيل الأصايل رمزا للهيبة ، كونها تستخدم في الحرب ، وترافق صاحبها في حله وترحاله، إلى أن دخلت مجال الرياضة والسباقات ففقدت هيبتها، وأخضعت بعد أن بدت عليها علامات التعب والإجهاد لعملية الانتقال من حالة الحركة إلى حالة السكون .
السياسيون في بلادي يُترك لهم المجال للتمتع بنشوة التحليق في الأعالي ، ويحظون باحترام من يعشقون اصحاب المناصب ، وتتاح لهم فرصة ليصولوا ويجولوا في البلاد وبين العباد ، فيما يغض الطرف عن بعضهم ممن سمح لهم بأن يعيثوا فسادا في البلاد دون محاسبة ، إلى أن يقرر أصحاب القرار إنهاء دورهم ، فيتم تقزيمهم وتوبيخهم من خلال أعوان يتم تحريكهم عن بعد” بالريموت كنترول” ، وتجييشهم لتقزيم الساسة وتحويلهم إلى لقمة سائغة مسموح بأن” تلاك” في فم الكثيرين ، حتى باتت المناصب ليست مكسبا في بلادي ، حيث لا تقارن المكتسبات والمعطيات مع الثمن الذي يفرض على الشخص تقديمه ، سواء باختيار طريقة ” ترويحته “، وإشاعة الكثير من القصص عن الولاء والانتماء والأمانة ونظافة اليد ، بطريقة تُترك (مفتوحة) دون تأييد أو نفي ، إلا أن العيار “سيبقى يُدوش”، وله ارتداداته الكبيرة المستمرة، إلا أن السياسيين ” ما بتفرق معهم”، ولا تلصق في ذاكرتهم الإساءة ، فتجدهم فور رفع الحظر عنهم ، ومنحهم المنصب الجديد ، تعود البسمة لتعتلي وجوههم ، خاصة بعد عودة من وبخوهم سابقا إلى مربع تمجيدهم.
في بلاد العالم هناك نوعان للخيول كما للسياسيين : سلالة ( أصيلة ) لم يختلط دمها بدماء دخيلة(هجينة) ، وأخرى سلالة (مؤصلة) ليست ذات دماء نقية ، لكن في بلادي تُطلق رصاصة الرحمة على الخيل الأصايل ، وتُحجب (الرحمة ) بقرار سياسي عن السياسيين..
وتبقى الرحمة ، من مكارم الأخلاق؛ تُمنح لمن يستحقها وتُحجب عمن لا يستحقها !!!