محمود الخطاطبة
انجاز : يبدو أن الحُكومات، الحالية والمُتعاقبة، ليست وحدها دائمة الوقوف في صف أصحاب المال ورجال الأعمال والشركات الخاصة الكُبرى، على حساب الفقراء وذوي الدخل المحدود والعُمال.. فها هي جامعات رسمية تدخل على هذا الخط، وكأنها بدأت تُساهم في إفقار الأردنيين، أو زيادة فقرهم، والمُساهمة في حرمان هذه الفئة من حقهم في التعليم، وحصره فقط في طبقة من يملك المال.
قد يتقبل البعض، إقدام إدارات جامعات على رفع رسوم الساعات الدراسية لعدد من التخصصات الحديثة، أو تلك التي يتطلبها سوق العمل الجديد، لكن ما لا يتقبله العقل، ويجعل الإنسان يدخل دائرة الشك ولا يخرج منها، هو ما قامت به إدارة جامعة اليرموك، مؤخرا، من إلغاء تخصصات من القبول الموحد للدورة الصيفية لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) 2022 / 2023، ثم أعيدت التخصصات نفسها للقبول الموحد في «تكميلية التوجيهي» الماضية، ولكن برسوم جديدة ومُرتفعة.
يُلاحظ بأن هُناك جامعات انتهجت خلال الأعوام القليلة الماضية سياسة «الرفع التدريجي» لرسوم الساعات الدراسية، وكأن لسان حالها يقول بأنها ذاهبة، لا محالة، إلى «خصخصة» التعليم العالي، الأمر الذي يعني رفع يد الدولة عن هذا التعليم، وبالتالي عدم تقديم أي دعم له، وإن كان في الأصل الدعم الذي تُقدمه قليل جدًا، أو يكاد لا يُذكر.
وما يؤشر على صدقية ذلك، هي الذريعة التي ساقتها إدارة جامعة اليرموك، عندما ألغت تخصصات بحجة أنها «مُشبعة في سوق العمل، وبالتالي فإن رفع رسومها جاء من باب الحد من عدد الطلبة المُسجلين فيها»، لتعود ثانية عن قرار الإلغاء، وتعتمدها لكن برسوم جديدة وصلت لنحو 110 بالمائة عما كانت عليه في السابق.
بعيدا عن أن الأمر مُضحك أو مُستغرب، إذ أن الجامعة نفسها ترفع رسوم بعض التخصصات بحجة أنها «راكدة»، لكنها وفي الوقت نفسه تُبقي عليها ولا تمنع القبول فيها، ثم تُلغيها تارة أخرى ولنفس السبب.. إلا أن ذلك يدعو إلى الخوف من أن يكون ذلك «تجربة» لرفع رسوم الساعات الدراسية بكُل الجامعات في قابل الأيام، خصوصا إذا ما علمنا بأن هُناك جامعات خاصة رسوم الساعة الدراسية فيها باتت أقل منها في جامعات رسمية.
استغلال، استسهال، ذرائع وحجج لا يقبلها عقل طفل لم يتجاوز الـ14 من عمره.. كُلها مواضيع يُراد بها أولًا «جيب» المواطن الأردني، وثانيا حصر التعليم في طبقة مُعينة، وثالثًا القضاء على ما تبقى من سمعة التعليم، وكُل ذلك على حساب الوطن، وإلا فمن المُستفيد من «تقنين» التعليم؟، ولمصلحة من خلق جيل كامل غير مُتسلح بتعليم عال أو جامعي؟.
عملية حصر التعليم في طبقة مُعينة، من شأنه خلق مشاكل أو مخاطر اجتماعية واقتصادية، كبيرة جدا، فضلا عن إحداث فجوات جديدة، ما بين أبناء الشعب الواحد، ناهيك عن تدمير أو توجيه ضربة قاضية على ما تبقى من أبناء الطبقة الوسطى في المُجتمع.
التعليم رسالة سامية، والقائمون عليه هم فئة خيرة، نذرت نفسها لتأدية هدف نبيل وواجب الجميع يُجله ويحترمه، لكن الظاهر أن هُناك مجالس أُمناء جامعات، ومن ورائها مجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بات ديدنها كما الحُكومة تمامًا، والذي يتمثل برفع الرسوم، بغض النظر عن النتائج السلبية والكارثية المُترتبة، أكان ذلك على الأمد البعيد أم المُتوسط.