أ.د.عبدالله الزعبي.
رفقاً أيها السادة، رفقاً بالجامعات، كأنها القوارير، لا تحيلوها إلى مسرحية لإمام، لا تجعلوا منها ساحة اقتتال، مرتعاً للشللية والارتجال، لا تستفزوا الاغلبية الصامتة، الحائرة باللجان والاستقطاب. رفقاً ايها السادة بالمنارات، فالعلم لا يؤمن بالمحاصصة، والتعليم يحتاج إلى حضن دافيء رحيم، يطلب الروح الوثابة المتلألئة، يسعى إلى بث الأمل في النفوس المتعبة، في الأجساد المرهقة، يعيد الحياة في اوصال وطن حزين يشكو العقوق واللامبالاة، يبحث عن قادة، يبحث عن العلم والنزاهة والخلق الحسن القويم.
اليوم يسود التردد أجواء المدينة، يكتنف الغموض ربوع القرار فيغدو مائعاً هلامياً، قراراً لقيطاً يبحث عن الشرعية، عن أم ترعاه وأب يأوية، فكَرةً هنالك مجالس وأخرى لجان، كلها تنصت بخشوع للقرار اللقيط، ثم تتبرأ من الحرام. وأما الأغلبية الصامتة فتبحث عن عبدالسلام، أو نصف عبدالسلام، أو تلاميذ عبدالسلام، من بنوا الصروح في الشمال والجنوب وفي عمان، من كان تعيينهم بقرار، دون مجالس ولجان، دون قوائم جاهزة أو لعبة الإستقطاب المضحكة، تلاميذ قادة، منهم من اخفق ومنهم من اصاب، منهم من ترك بصمته راسخة، ومنهم من طوى صفتحه التاريخ، لكن جلهم كانوا من الثلة الأخيار.
منذ سنين، تقف الأغلبية الخيرة من اساتذة الجامعات حائرة مشدوهة، تعتريها الصدمة لما يجري بملف الجامعات، إقصاء واستئثار، قلة ممن يصنع القرار، كأنها تمتلك الحقيقة، تحتكر الإنسان، تحيل الغد إلى حقل تجارب، كأنما البلاد تملك ترف الإنتظار. أغلبية تستذكر عبدالسلام، يجوب في الصباح الباكر ساحات الأم، يتبختر في ممراتها، يلتقط القمامة بكبرياء، يدير الدفة بأنفة وشموخ، فتارة يحلق بفضاء الطلبة فيغمرهم طمأنينةً، وتارة يبحر في محيط الأساتذة يحتضنهم ويجلهم، يبني الصرح لبنة لبنة، كأن الناظر إلى مشهد الأمل يسمعه يشدو: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة … فإن فساد الرأي أن تترددا.
تزخر الجامعات الاردنية بالاساتذة المميزين الأكفياء، ذوي العقول النيرة والأخلاق الحميدة، طاقات متحفزة مشحونة بالطموح، مغروسة بالإنتماء للأرض والأمة. هؤلاء اغلبية صامتة تؤثر العلم والعمل، تؤمن أن التعليم ليس مجرد فقاعة وقاعة صف وشهادة، إنما هو توسيع لآفاق المعرفة واستيعاب حقائق الحياة، وأنه المفتاح الذهبي لباب الحرية، جذوره مريرة لكن ثماره حلوة، هدفه المعرفة، ليس عن الحقائق فحسب وإنما ممارسة القيم والفضيلة، والتزين بالتفكير الحر والإبداع والثقة بالنفس، هدفه بناء إمكانات الانسان للاختراع والاكتشاف وصنع النساء والرجال القادرين على الإتيان بالجديد. هم اغلبية صامتة تعلم أن التعليم هو الأساس الذي تبني عليه الامم مستقبلها، هو مفتاح النجاح في الحياة، ليس تحضيراً للحياة، إنما هو الحياة نفسها.