مكرم الطراونة
أظهر مقطع فيديو وزير الداخلية مازن فراية وهو يمارس كرة القدم أثناء مشاركته شباب الكرك بالفعاليات الرمضانية. هذا المقطع لاقى رواجا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أشاد كل من تناقله بروح الوزير الأمني، باعتباره بهذا السلوك كان جزءا من الناس، وقريبا منهم.
ربما خبراء علم النفس، أو الاجتماع، قادرون أكثر مني على تحليل ردة فعل المواطنين الإيجابية على هذا المقطع الذي لم تتجاوز مدته الثواني المعدودة، خصوصا أن الأردنيين اليوم في قمة سخطهم على الحكومة التي يرون أنها لم تخض حربا حقيقية في مواجهة الارتفاعات الكبيرة على الأسعار.
اذا، ما هو سبب سعادة جزء كبير من المواطنين من محتوى هذا الفيديو؟ أو بمعنى آخر، لماذا تعاطوا معه بكل هذه الأريحية وهذا القبول، ما الذي يريده الأردني ليكون راضيا، متقبلا للواقع الأليم الذي يعيشه؟
الأردني على دراية تامة أن الوضع الاقتصادي للدولة غاية في الصعوبة، ولا يحتاج أن يخرج عليه المسؤول ليقول له ذلك، فحالة التذمر الواسعة بين أطياف المجتمع لا تتعلق فقط بضنك الحياة، وصعوبة المعيشة، وأنما أيضا بأسلوب إدارة جميع الملفات، وإدارة الظهر للمواطنين، والتذاكي من الحكومات على الشعب، وسوء الخطاب الإعلامي الموجه له، وعدم قدرة المسؤول على الاندماج مع الشارع.
الناس لا تريد مسؤولا “فهلويا” يشعرها بالفوقية والتعالي، إنها تريد واحدا منها، يشبهها بكل تفاصيله.
إن نتائج تسديدة كرة بين خشبات ثلاث لوزير الداخلية، كانت أهم من عشرات المؤتمرات الصحفية والاجتماعات والخطابات والوعود والتعهدات والاستراتيجيات، لأنها كانت أكثر صدقا، فمكان الواقعة كان بين الناس، وليس من خلف مكاتب، وأمام كاميرات التلفزة.
ما قام به الفراية لم يحقق للمواطن نقلة نوعية في حياته المعيشية، فالأمر يتعلق بالاحترام والاهتمام والتواجد، وهي الرسالة التي يجب أن يلتقطها أي مسؤول، والمتمثلة بأن الالتحام مع الشارع. بمثل هذه الأفعال، وعلى بساطتها وصغرها، يمكن أن تخفف من احتقان الأردنيين الذين يتميزون بأنهم على استعداد لخوض أعتى التحديات والصعاب، شريطة أن يكونوا شركاء في المعركة لا جنودا تتم التضحية بهم، ولا يكترث أحد برغباتهم وآمالهم وطموحاتهم الخاصة، أو تلك المتعلقة بمستقبل دولتهم التي تعاني من أوضاع داخلية وخارجية غاية في الصعوبة.
الهدف الذي تحقق من ركلة الجزاء، كما يظهر الفيديو، هو هدف يجب أن يسعى لتحقيقه جميع اللاعبين السياسيين والاقتصاديين الرئيسيين في الدولة، وللبناء عليه أهداف أكبر في معادلة الاندماج مع الناس، والاستماع لهم، والتحدث معهم؛ بوضوح وشفافية وصدق.
الأردنيون، أصحاب العزة، أبناء وأحفاد معركة الكرامة، لا يمكن النظر إليهم والتعامل معهم دون إدراك أنهم كالجبال الشامخة، القادرة على تحمل ألم الأوضاع الصعبة التي زرعت أنيابها في خاصرتهم وخاصرة البلد. هؤلاء يريدون من كل مسؤول أن يخاطب عقولهم، لا قلوبهم، أن يكون واحدا منهم، لا واحدا عليهم، أن يسير في الشارع إلى جوارهم، يسمع همساتهم، وأناتهم. الحقيقة تؤكد أنه لا يمكن تحمل المزيد من فجوة الزمان والمكان بين الناس وبين من يدير مستقبل بلدهم.