أ. سعيد ذياب سليم
رمضان يا رمضان
ينحسر ضوء النهار، تسمع أصوات تسابيح تتردد في الأجواء، وشاح قرمزي يخفي وجه الشمس ، حل المساء وارتفع صوت الأذان، إنه موعد الافطار ، ثار في النفس فرح طفولي، كحبات عقد حول عنق حسناء، التفّت الأسرة حول المائدة ، رنين الآنية و الكؤوس يصنع مقطوعة موسيقية لذيذة، يتراجع الوهن عن الجسم و يدب نشاط يشعله رائحة القهوة و دخان السيجارة الأولى، رمضان كريم و تبتسم الوجوه المرهقة.
ما أكثر ما يثيره رمضان من صور و مشاعر قديمة، أطفال كنا نتسابق نحو البيت عندما يصعد المؤذن درجات المأذنة استعدادا لأذان المغرب، فتُعِدّ الأمهات الموائد على بساطتها، بعد أن يشعلن القناديل، ثم يجتمع الرجال حول الحكاية، لنحشر أنفسنا بينهم نسترق السمع، تطرد الضحكات وحشة الليل الأسود ، تحت لآلئ السماء البراقة، وأبي – رحمه الله- بوجهه المتعب، ومواويله الحزينة، وصوته المجروح يردد ” الميجانا و العتابا” ، فيجثم على القلب خدر و أشواق لأشخاص و أماكن لم نكن نعيها بعد.
رحل الأحبة و أصبحت أجسامهم بعض تراب هذه الأرض، لكن رمضان يعيدهم إلينا، و يعيد قصّ حكاياهم، التي لا تستطيع الصمود أمام هذا النسيج من الألوان و الأصوات و السحر السينمائي الذي تبثه القنوات الفضائية.
ترى ماذا سيحمل لنا هذا الموسم؟ روايات مسلسلة بلون الواقع و طعم المستحيل، هجرها “الزير سالم” وحل محله شخصيات صُبت من الشمع ، تُراقص الرعب والألم، برامج حية يتخللها لقاءات فكاهية، مقالب و غرائب ، رحلات تنقلنا و تنقل العوالم الاخرى إلينا، برامج اجتماعية ناقدة، تزيل بعض ما ترسب في النفس من مشاعر سلبية، ماذا ستناقش من مشاكل معاصرة و الجعبة تملؤها الأحزان ، فلا نكاد نهضم ما تحمله الأخبار العاجلة من أخبار.
هل ستتغير إطلالة البعض خلف الشاشة، لجذب المزيد من المشاهدين -والتحدي على أشده- “إكسسوارات” و تقليعات ، ربما سيستخدمون مصطلحات جديدة، يتلقفها الشارع لتلون ثقافته، وبرامج الطبخ هل ستتوفر مكوناتها في الأسواق ؟ أم أنها ستكون كوصفة الساحرة العجوز لجلب الحب و دفع الحظ العاثر!
وقطرة الأذن و إبرة السكّري، هل سيكون لشيخنا فيها رأي جديد؟ هل سيعود إلى أشرطته القديمة ليخرج علينا بنظرة عصرية لموضوع قديم؟ فالأسئلة قد تكررت على مسمعه بل حتى الأصوات! كم يحمل رمضان من موضوعات جدلية، تُفٍرغ رمضان من رمضان!
للشعوب فيه عادات مختلفة، “حريرة ” المغرب، و “هريس” الخليج، و “القطايف” التي تميز الشهر من غيره، لكن “شوربة العدس” هي سيدة الموقف في كثير من الحالات.
نميل إلى تقسيمه على قصره، أوله رحمه و أوسطه مغفرة و آخره عتق، لياليه فرحة يزيّنها الأهلة و الأنوار الملونة و رفيف أجنحة الملائكة، و أصوات الأطفال ، يتصايحون إذا مر “المسحراتي” و حماره ، ترى هل سيتم استبداله بأحد تطبيقات “play store” أم سيفاجئنا “Google” بمساهماته الجديدة؟
رمضان يا رمضان، لنا فيك آمال نرجو الله أن يحققها ، بلدا آمنا ، رخاء ، و مخرجا من عنق هذه الزجاجة.