د.حسام العتوم
المعروف ومن دون أدنى شك بأن روسيا الاتحادية دولة عظمى بحجم قطب شرقي ذات سيادة وتقود سياسة الأقطاب المتعددة وتعتبر أمريكا من أكبر أقطاب العالم وتعترف بقوتها النووية أيضا وتناهض الحرب الباردة منذ اندلاعها نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 وهي الأكثر التزاما بالقانون الدولي وتمسكا بشرعية التاريخ ومصنفة بأنها فوق نووية وفوق صوتية ومتطورة فضائيا خاصة في المجال العسكري، وانتجت حديثا شبكة من الصواريخ الباليستية الدفاعية C 500 وتواجه سباق التسلح بمثله، ومثلما ظهر في الآونة الأخيرة عند الولايات المتحدة الأمريكية صواريخا نووية يبعد مداها عن موسكو خمسة دقائق، أعلنت روسيا عن انتاج مثلها وبنفس المدى، وتساءل رئيسها (فلاديمير بوتين) ما الجدوى من هكذا سباق تسلح غير طبيعي؟ وسبق له أن تحدث عن أن حربا عالمية ثالثة لو تندلع ستعيد البشرية إلى ما قبل التاريخ وإلى عصر الحجارة والكهوف والرماد، ولن يكون فيها منتصر. ولروسيا الاتحادية -كما أراقب- سياسة دولية خاصة بها، وتنتهج معارضة سياسات القطب الواحد الأمريكي، رفضا منها للهيمنة الدولية من طرف الغرب ممثلا بحلف (الناتو) العسكري، وللهيمنة الاقتصادية أيضا، وتحرص على بناء علاقات طيبة مع دول الجوار، لكن رياح الحرب الباردة تمكنت من أن تحدث اهتزازا وسط معادلتها هذه، وتقلب طاولة الحدود المجاورة، ومَثلي هنا ( جورجيا وأوكرانيا ولاتفيا ) وعينها على بيلاروسيا.
وتركيا في المقابل، دولة إقليمية كبيرة، ومن أكبر أقطاب الشرق، وهي متطورة اقتصادياً وعسكرياً، وعضو في حلف (الناتو) العسكري الغربي – الأمريكي، وهي محاددة لروسيا من جهة الجنوب، وتتعاون معها ذات الوقت، وسبق لها أن استوردت منظومة من شبكة الصواريخ الباليستية الروسية الدفاعية C400))، والتزمت بسداد ديونها في مجال صفقتها لروسيا، وتعتمد تركيا بشكل ملاحظ على السياحة الروسية بالذات، وتحقق دخلاً سنوياً مليارياً من الدولارات، ولا سياحة تركية ملاحظة في روسيا المحتاجة حتى الساعة، لبنية تحتية متطورة، وفي مقدمتها الفندقة. ولدى تركيا حديثاً، مطاراً عملاقاً في مدينة اسطنبول يحمل اسمها، ومن المتوقع أن يتسع لـ 150 مليون مسافر، وهو يدار بطريقة اقتصادية ذكية، بحيث يحتوي في داخله على شبكة فنادق حديثة البناء، وعلى سوق تجاري ضخم، ويتميز الأتراك بخدمتهم المتقدمة والسريعة لزوراهم.
وبين تركيا وروسيا صولات وجولات في شأن السياسة والعسكرة، وحول الموضوع السوري، فلقد سبق لتركيا أن اسقطت طائرة سوخوي روسية عسكرية فوق سوريا، تبين أنه نُفّذ بأيدي تابعة للتيار الأمريكي في الجيش التركي، واغتالت سفير روسيا في أنقرة (أندريه كاربوف) عام 2016، واعترفت بإقليم (القرم) مُلكا لأوكرانيا، وهو المختلف عليه بين (كييف) و(موسكو) حالياً، وتعتبره أوكرانيا محتلاً من قبل روسيا، بعدما مكث في الديرة الأوكرانية 60 عاما، منذ عهد الزعيم (نيكيتا خرتشوف) عام 1954، إبّان الاتحاد السوفيتي، مرورا بعهد فلاديمير بوتين، لكن روسيا أعادته عام 2014 لعرينها بعد استفتاء شعبي جرى في الإقليم، وحصد ما نسبته 95% من الأصوات لصالح انضمامه لروسيا، وبعدما انقلبت سياسة أوكرانيا رأسا على عقب لصالح الغرب وأمريكا وقواعدها العسكرية في الغرب الأوكراني، بعد حادثة الانقلاب على الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا (فيكتور يونوكوفيج) وهو الإقليم المرتبط تاريخياً بزمن الإمبراطورة (يكاتيرينا الثانية) عام 1783، وحربها بإسم روسيا على الامبراطورية العثمانية وقتها والإنتصار عليها. وأعتقد من هذه الزاوية السياسية، يقف الرئيس التركي (رجب طيب أوردوغان) مع (أكرنة) القرم، ولوجود نسبة سكانية من التتار فيه تقدر بـ 12% من عدد سكانه الذين هم في غالبيتهم من الروس أولا (58%) ومن الأوكران ثانيا (24%).
وسبق لروسيا أن أنقذت تركيا (أوردوغان( من انقلاب عسكري محتوم عام 2016، وتجاوزت كل المحطات السياسية المختلف عليها مع أنقرة، ولتركيا موقفاً متقلباً من الأزمة السورية، التي امتدت أكثر من عشر سنوات، وهي من حاولت عقد سلام سري بين دمشق وتل – أبيب، وأدخلت نفسها في أزمة مع دمشق بعد اندلاع ربيعها عام 2011، وتحوله لحرب دموية اجتاحتها صنوفاً عديدةً من الإرهاب المجرم، تصدرته عصابات تنظيم (داعش) المجرمة باسم تنظيم (القاعدة) الأكثر إجراما، وإلى جانب عصابة مجرمة مثل (بوكو حرام). واختلطت صورة التطاول على الشعب السوري وبسبب تشرد الملايين منه إلى خارج الحدود، إلى الداخل التركي والأردني واللبناني والسوري نفسه (من القرى إلى المدن القريبة والأبعد)، واتهم نظام دمشق بضلوعه به من قبل تركيا تحت التأثير الأمريكي، وهكذا انطلت الصورة ذاتها على المنطقة الشرق عربية وأوسطية، وبقي نظام دمشق صامداً، بإعتماده على نفسه وعلى إيران، وعلى روسيا بشكل أساسي. والملاحظ بأنه يمر بضائقة اقتصادية ذات الوقت. وطالت صورة استهداف الشعب السوري روسيا تحديداً، خاصةً بعد تصريح لبوتين بأن حربه في سوريا أعطت بلاده فرصة تجريب سلاحها، وهو الأمر الذي فُسر خطأً، على أنه قصد إيذاء المواطنين السوريين الآمنين، وهو كذب واضح، وروسيا -كما نعرف- وهو ليس بدعاية، وهي من بادرت بتقديم أطنان كبيرة من المساعدات الإنسانية والطبية للشعب السوري وللمشردين منهم خارج الحدود، وفتحت مناطقاً في الشمال والجنوب، لخفض التصعيد بهدف إعادة اللاجيء السوري إلى وطنه طوعاً، وبعد تأمينه ببنية تحتية أمنة، وأقامت معسكرات لأطفال وشباب سوريا في الداخل الروسي، لرعايتهم وحمايتهم ولتعليمهم اللغة الروسية. ودولة عظمى مثل روسيا ومعها سابقا الاتحاد السوفيتي، قدمت في الحرب العالمية الثانية (27) مليون شهيد، يصعب عليها أن تُقدِم على التطاول المزعوم على الشعب السوري.
وتشابك في الموقفين جرى بين روسيا وتركيا، حول إقليم (غورني – كاراباخ)، ففي الوقت الذي اصطفت فيه روسيا مع أرمينيا، وقفت تركيا مع أذربيجان، ثم عادت روسيا لحلول الوسط بين أرمينيا وأذربيجان، ونجحت بذلك. وفي الموضوع الليبي، وقفت روسيا مع الجنرال (خليفة حفتر) بينما ساندت تركيا حكومة الوفاق المنحلة بقيادة (فايز سراج)، وعادت لحلول توافقية بين طرفي النزاع لصالح إرساء سلام ليبي دائم. وعين تركيا على إعادة بناء ليبيا، كما روسيا، وعينهما معا على البترول الليبي المتميز أيضا.