د.حسام العتوم
كيف سيكون السلام بين (موسكو) و (كييف) في زمن الدعوة للسلام من كل طرف في زمن الحرب؟ ولقد مضى على العملية العسكرية الروسية الاستباقية التحريرية غير الاحتلالية أكثر من تسعة شهور منذ انطلاقتها بتاريخ 24 شباط 2022، وما حققته روسيا وتتمسك به هو ضمها قبل العملية وبعدها لخمسة أقاليم هي (القرم، ولوجانسك، ودونيتسك ” للدونباس ” وزباروجا، وخيرسون)، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الانسحاب العسكري الروسي من جانب من منطقة “خيرسون” هو تكتيكي بهدف إعادة التموضع ولتحقيق نصر أكيد قادم من دون الإضرار بسكان الأقاليم الذين عملت روسيا على نقلهم إلى باقي الأقاليم المحررة، وإلى الداخل الروسي لحمايتهم، وعمليتها العسكرية بالكامل هدفت منذ البداية للدفاع عن سكان أقاليم أوكرانيا شرقا وجنوبا بعد تعرضهم لعدوان مبرمج من جانب النظام السياسي في (كييف) المحسوبة جذوره على التيار البنديري المتطرف الذي تتقدمه فصائل ” أزوغ ” الأكثر تطرفا، وهم الذين تسببوا في مقتل وجرح وتشريد أكثر من 14 ألف انسان روسي واوكراني ناطق باللغة الروسية، والهدف بعيد المدى ضم الاقاليم قسرا، ومن اجل ذلك حفرت الخنادق مبكرا، وهي التي تفقدها الرئيس فلاديمير زيلينسكي اكثر من مرة، اعتقادا منه بأن جبهته الغربية الاوكرانية وبالتعاون مع الغرب الامريكي ستكون قادرة على تحقيق النصر المنشود، لكن هيهات؟
روسيا بوتين ولافروف من وسط دعوتها لسلام الأمر الواقع تتمسك بورقة الأقاليم الخمسة ذات العلاقة مباشرة بسيادة أوكرانيا بعدما قالت شعوب الأقاليم كلمتها وبقوة عبر صناديق الاقتراع وتحت رقابة دولية اشتركت فيها مجموعة من الدول مثل (إيطاليا وألمانيا ومصر وفرنسا وسلوفاكيا وكاميرون وجنوب أفريقيا وحتى أمريكا)، ودور رقابي لجهاز “فاغنر” الأمني الروسي الخاص أكيد، وغرب أوكرانيا – ويلينسكي تطالب بعودة كافة الأقاليم الخمسة لقبول سلام مع روسيا، لكن الملاحظ في المشهدين والحقيقة يجب أن تقال، هو أن روسيا فتحت أبواب الحوار مع (كييف – بيترو باراشينكا وفلاديمير ويلينسكي) مبكرا، منه المباشر، ومنه عبر جولات (اتفاقية مينسك 2015) وعبر جهود مشتركة لمجموعة النورماندي (روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، وألمانيا، وفرنسا)، وخسرت الرهان والمرهانة على قبول الطرف الاوكراني الغربي بالحوار حينها، واصرار غربي اوكراني في المقابل تحت ضغوط من قائدة حلف (الناتو) الغربي – امريكا لرفض الحوار، والذهاب لحرب مدعومة من طرفهم بالسلاح والمال الملياري الوفير طويلة الامد، وهو الذي حصل، واستمر بصورته المؤسفة الآن، فكيف بأمكان العالم ان يتدخل لوقف الحرب فورا او المساعدة للوصول لحوار مقنع للطرفين المتحاربين (غرب اوكرانيا والغرب الامريكي وروسيا)؟ وبالمناسبة روسيا لم تبدأ العملية الحرب كما يشيع اعلام “كييف” والعواصم الغربية التي تتقدمها “واشنطن”، وانما احدثت ردة فعل على المؤامرة المشتركة للغرب مع غرب اوكرانيا على روسيا، وهو الذي تحول لما يشبه “المؤامرة ومعركة المصير”، وقد يتساءل القاريء كيف؟ وانا هنا اجيبه بما ملكت من معرفه، فالثورات البرتقالية الملونة قبل عام 2014 وقفت امريكا خلفها وساندتها، وكذلك الامر بالنسبة لانقلاب 14 الدموي، وصناعة قنبلة نووية سرية غربية وغرب اوكرانية مشتركة، ونشر اكثر من 30 مركزا بيولوجيا ضارا فوق الاراضي الاوكرانية، ومحاولة قصف مفاعل “زاباروجا” النووي، واستخدام قنبلة نووية منخفضة القوة “قذرة”، والتشجيع الغربي على ضم اقاليم شرق وجنوب اوكرانيا قسرا، وسحب الانتاج الغربي من الاسواق الروسية، والغاء القنوات الاعلامية من الفضاء الاعلامي الدولي، وتصريح جديد لقائد الجيش الامريكي الجنرال مارك ميلي حول مقتل مائة الف جندي روسي واخرون مثلهم من الاوكران في الحرب الروسية- الاوكرانية غير دقيق ولا يرتكز حتى على معلومات استخبارية امريكية صحيحة وغير موثقة، والهدف المساهمة في نشر الفوبيا الروسية، واضعاف صورة روسيا اولا.
لم تحقق الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب الفائدة من تحريض دول العالم للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة سابقا بشأن إقليم (القرم)، وهو الذي قابلته روسيا (بفيتو) مشترك مع الصين وعملت على تثبيت الأقاليم وسط السيادة الروسية، وواصلت أمريكا قائدة القطب الواحد أو كما تزعم التحريض للتصويت مجددا على إدانة روسيا لضمها الأقاليم الأوكرانية الأربعة الأخيرة للسيادة الروسية، وفي الحالتين اعتمدت روسيا على استفتاءات شعبية تحت رقابة دولية وبنسب مئوية مرتفعة، و (الفيتو) الروسي – الصيني جاهز من جديد ليثبت أحقية الأقاليم لروسيا إسنادا لرغبة شعبية أوكرانية وروسية عارمة وسط الأقاليم، وروسيا لمن لا يعرفها من أكثر أقطاب العالم تمسكا بالقانون الدولي، ولا تنتهج سياسة “الكاوبوي”، وتاريخها النووي العسكري نظيف منذ اختراعها والسوفييت قنبلتهم النووية الرادعة عام 1949، وتتمسك بالخط الساخن مع دول (الناتو) لتفادي وقوع حرب عالمية ثالثة مدمرة، وتأخذ الإذن من (الناتو) مسبقا حالة حاجتها لإجراء تجارب نووية صاروخية كما حدث مؤخرا، وهي لا تهاب التهديد النووي من أي طرف، ولديها جاهزية الرد الفوري الساحق.
وكما كتبت سابقا لروسيا في الزمن السوفيتي المنصرم تجربة حية مع اليابان التي تطاولت على البناء السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية “العظمى” عام 1945 لإنهاء الحرب لصالحها، وانتهى الأمر بالسيطرة على الجزر الأربعة “كمناشير، وايتوروب، هامبوماي، شيكوان”، وفي طرد النازية الألمانية بقيادة أدولف هتلر وسحقها، ورفع العلم السوفيتي المنتصر فوق الرايخ الألماني “البرلمان”، والمعنى هنا لا يجوز تجريب روسيا العظمى وريثة الاتحاد السوفيتي ورغم الاختلاف النسبي في الأيدولوجيا من الشيوعية إلى الديمقراطية وتعددية الأحزاب، والحرب الأوكرانية فرضت على روسيا ولم تختارها، ولم تهدف لتحقيق احتلالات في وقت هي مساحتها الجغرافية تفوق ال 18 مليون كلم2، لكنها امتشقت سيفها دفاعا عن ناسها وأهلها حتى من الشعب الأوكراني الشقيق المجاور، والأقاليم الخمسة الأوكرانية السابقة الروسية حاليا والتي بحوزتها لم تحتلها، وإنما حصلت عليهن بقوة صناديق الاقتراع، وهي صورة مفاجئة وغير مفهومة لغرب أوكرانيا وللغرب أيضا، ويعتبرون الإجراء الروسي حولهن احتلالا.
وفي الختام هنا فإن السلام الروسي والغرب أوكراني والغربي الأمريكي الممكن توقعه وقبوله هو سلام الأمر الواقع، بمعنى أن سيادة روسيا تشمل الأقاليم الخمسة، وبأن سيادة غرب أوكرانيا تشمل المحافظة على العاصمة “كييف” ومن حدودها من طرف أوروبا حتى حدود شرق وجنوب أوكرانيا، واعتماد الوسطية والحياد في التعامل مع روسيا جارة التاريخ ومع أوروبا وأمريكا، والعزوف عن موضوع دخول حلف (الناتو) المعادي لروسيا نهائيا، والذهاب لعلاقات متوازنة سياسية واقتصادية بين الشرق الروسي والغرب، وبعكس ذلك يبقى مصير نظام “كييف” السياسي مطروحا فوق الطاولة السياسية الروسية التي لم تخطط يوما للتخلص منه أو من رئيسه ويلينسكي، وتبقى نسبة 10 % من غرب أوكرانيا المؤيدة لموسكو مؤشرا تجاه مستقبل حذر (لكييف) العاصمة.