سهير جرادات
رغم مرور وقت على توجيه الرسالة الملكية إلى مدير المخابرات العامة ، إلا أننا نشهد ضعفا في تحليل الرسالة ومضامينها ودلالالتها من قبل الكتاب والمحللين، وكأن المقصود ترك الباب مفتوحا أمام التحليلات والآمال الشعبية .
عند محاولة تصنيف الرسالة نجد أنها أقرب الى( خطاب ملكي – رسمي – شعبي) كونها تعد من بين الوثائق الرسمية والمراسلات الأمنية ( مكتوم ) ، حيث تقسم الوثائق إلى أربعة تصنيفات: ( سري للغاية – سري – محدود – مكتوم ) ، وهناك فروقات في التصنيفات، أعلاها هو سري للغاية؛ حيث يؤدي إفشاء المعلومة الى أضرار خطيرة بأمن الدولة الخارجي والداخلي، وأدناها المكتوم وهي معلومات ( لا يفضل ) إفشاؤها حفاظا على مصالح الدولة .
لن أذهب إلى سرد التحليلات التي تتبادر للأذهان بأن الرسالة (مقصودة) في ظل المتطلبات الخارجية العالمية وابعادها، التي فرضت على الأردن منذ بدء (الحقبة البايدينية) بعد وصول الديمقراطيين للبيت الأبيض ، والعودة الفعلية للديمقراطية بعد مرور أربع سنوات وصفت فيها الديمقراطية ب( الهشة ).
ولن أتحدث عن ما حمله الخطاب من توجهات خاصة للدائرة ورئيسها ، والدعوة إلى إعادة هيكلة الجهاز وتطويره وتحديثه، لأنه في النهاية ليس كل ما يتم توجيهه ينفذ أو يطبق ، فيما كانت الرسالة تحمل تلميحات خارجية، وما على الجهاز إلا أن يلتقط المقصود من الرسالة لتنفيذ ما هو مطلوب منه ، وترك ما قصد من وراء الرسالة للجهات الخارجية، وما عليه إلا الأخذ بالعلم .
لكني سأتحدث عما يدور في الشارع ، وآمال المواطن العادي غير المتنفذ و من لا يعتمد الواسطة والمحسوبية ، أولئك الذين يرون أن الرسالة تتحدث عن توقف ( الكرسي) عن فرض ( سطوته ) لملء الفراغ في بعض المؤسسات وسد الفجوة ، الناجم عن ضعف دوائر الدولة ، وافساح المجال أمام هذه الدوائر لتولي زمام امورها بنفسها ، بعد أن تمكنت من اثبات قدراتها وحان الوقت لكي يعود ( الكرسي ) إلى اختصاصه الأمني بالتصدي للأرهاب وتقديم المعلومات الاستخباراتية لمفاصل الدولة ، وعليه (كف اليد )عن تسيير الحياة العامة والتدخل في الشأن السياسي الداخلي، لخدمة مصالح افراد متننفذين أوجماعات تابعة له..
هذا الوضع لم يعد يخفى على أحد ، حتى وصل الى أن يكون الحديث تحت ” القبة الديمقراطية ” وعلى الملأ عن (نواب الآلو) الذين ينفذون الرغبات والأوامرالصادرة عن ( الكرسي )، وذلك بعد سنوات من الاعتراف بتزوير انتخابات عام 2007، وعام 2010 بحسب رئيسي الجهاز، اللذين احدهما ( محكوم ) والآخر(مرحوم ) ، حتى أصبح السؤال الدارج عند ترشح احدهم للانتخابات النيابية : هل استشرت الجماعة؟! مما قاد الملك الى الحديث عن ذلك في تصريحات لصحف غربية عن الانتخابات المزورة .
ويقاس الأمر على العديد من القطاعات ، وسأحدثكم عن فترة تمثيلي النقابي ، حيث كان السؤال الذي يطرح من بعض الزملاء عند مناقشة أمور مفصلية : ” شو توجه الجماعة !!”.. إضافة إلى المكالمات الهاتفية التي تلقيناها عند اجراء المجلس تعديلات على قانون النقابة عام 2010 ليتماشى مع انتشار المواقع الإلكترونية ، وكانت الصيغة : ” مشولنا هالقانون!! ” .. وأقرت التعديلات ، إلا إنه تم سحبها قبل اقراره عام 2011 .
ولا أنسى التدخل( غير المبرر) حتى في حق الترشح لمنصب نائب نقيب ، حيث طلب مني هاتفيا من المسؤول عن ملف الاعلام الانسحاب لصالح زميل .. وبعد التأكد من شخصيته من صديق متخصص ب(الكرسي) ، بادرت بسؤاله عن السبب ؟!، لتأتي الإجابة الصادمة بأن المرحلة المقبلة بحاجة الى رجل !!! ضحكت وانا اشرح له بأن مهنتنا ( رأسمالها) الفكر والقلم .. ولانهاء الجدال الذي دار بيننا قلت له : تحت أي بند تطلب مني الإنسحاب وانت لا فضل لك على نجاحي ووصولي للمجلس كزميلي الذي ( خزق اللوح ) من كثر الأصوات التي حصل عليها فقط لأنه من عائلة رئيسك نفسها ؟!! جاءت الإجابة الصادمة : بس احنا ما اشتغلنا ضدك !! .. لانك بنت رجل وطني !!.
متفقون بأن (فرسان الحق) جعلوا من الجهاز له سمعته الإقليمية والدولية بعد أن نجحوا في مواجهة العديد من التحديات والتهديدات الأمنية التي شهدها بلدنا والمنطقة ، لكن نظرا لبعد ( الكرسي ) عن اختصاصه الاستخباراتي، وانتهج أسلوب ( التدخل ) في الشأن السياسي الداخلي ، تحقيقا لفرض هيمنته (صنع) مجموعة من الأتباع ( المحظيين ) الذين يحصلون على الامتيازات دون وجه حق ، ولأن هذه الامتيازات توقفت عند بعضهم وجدنا أنهم ينقلبون على من صنعهم ، ولإنهم امتنهنوا ابتزاز( من صنعهم ) تحول بعضهم إما إلى معارض أو لجأ لكتابة منشور يزعجهم به ، أو يهدد بفتح ملفات (المزارع ) وما كان يجرى فيها ، وقبضوا اجورهم على هذه الاعمال بأن فتحت الأبواب لهم مقابل أقفالها في وجه البقية الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يخدمون الوطن دون مقابل ، ولا علاقة لهم ب (الكرسي ) .. علما أننا كما كان والدي – رحمه الله – يقول لي “عندما يحتاجنا الوطن كلنا مخابرات “، وذلك ردا على رفضي لطلب تلقيته في أول بدايات عملي الصحفي تزويدهم بأخبار لا تنشر!!.
الأيام ستظهر لنا فيما إذا كان الهدف من الرسالة خارجيا بحتا (وأعتقد أنه الأقرب)، حيث ان الرسالة تحمل مضامين خارجية ، وأهمها مكافحة الارهاب والتصدي للمخاطر الأمنية التي تستهدف بلدنا (وكأن هناك شيئا يلوح في الأفق ) .. أم أن زلزال (الكرسي ) ، سيشعر المواطن بارتداداته ، أو أن كل ما يراود المواطن العادي ما هو سوى آمال !!