الإنفاق المرحلي على القطاعات والعاملين فيها، للخروج من التحدي الاقتصادي المرافق لأزمة كورونا؛ قد لا يضمن استمرار عملها بشكل مستدام. ومن خلال قراءة الواقع الاقتصادي ما قبل أزمة كورونا، نجد أن أزمة القطاعات ممتدة منذ ذلك الحين. وأن ضعف السوق المحلية، لم تتسبب به أزمة كورونا وحدها؛ فهناك عوامل أخرى مسببه لها. ومنها ارتفاع وتيرة المنافسة التجارية، والذي رافق توافد اللاجئين؛ وبما لا يتناسب مع القدرة الشرائية لديهم ولدى المواطنين.
وعلى العكس يمكن اعتبار أزمة كورونا فرصه لتغيير النظم الاقتصادية، وحافز للبدء ببرامج تؤمن الإيرادات، والوظائف للعمالة المحلية؛ كتلك التي تؤمنها وسائل الإنتاج المملوكة من قبل الحكومة. وذلك من خلال الاستثمار الحقيقي لأموال المنح والقروض والسندات والضرائب؛ لما يحققه من منافع اقتصادية إضافية تزيد من دخل الحكومة، ومن ثم الدخل القومي للمجتمع؛ وذلك بما تخلقه من قيمة مضافة.
والاستثمار الحقيقي في المشاريع القومية، على مستوى الحكومة، والمشاريع الكبرى على مستوى صناديق الاستثمار الخاصة؛ يعد عامل رئيسي لاستدامة النمو الاقتصادي، وتأمين الوظائف للعمالة المحلية. مما يقوي القدرة الشرائية، فلم يعد هناك مجال للتجربة؛ ولدينا من العبر ما يكفي للإقرار بضعفها. ومنها أزمة الغارمين المتورطين بديون لصالح صناديق تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة. وأي إنفاق على القطاعات الإنتاجية الخاصة في هذه المرحلة، ومع ضعف القدرة الشرائية. هو بمثابة تحويل المال الى منتجات، قد لا يتم تصريفها بالكامل؛ من جراء ضعف الطلب. وبالتالي لن تستفيد الحكومة من جمع أي ضرائب دون تحقيق الدورة الكاملة السليمة للمال بين الإنتاج والاستهلاك والإنتاج من جديد.
ولحين الوصول الى هذه المرحلة، التي من الممكن وصفها بإجراءات الوقاية من مخاطر الأزمات المقبلة، على اعتبار أنه من المحتمل تكرار حدوثها؛ والتي تمكن الحكومة من مواصلة برامج التنمية الشاملة، ودعم النمو الاقتصادي. يجب التركيز على دور التكافل الاجتماعي، وإقرار قانون للزكاة والخدمات الاجتماعية، لتحقيق حد الكفاية لكل مواطن. مما يساهم في تقوية القدرة الشرائية، والتي هي أساس تحقيق التوازن الاقتصادي. والبدء بتنظيم المنافسة، بتحديد عدد المنشآت نسبة الى الرقعة الجغرافية، وعدد السكان فيها.
وإذا كان لا بد من دعم القطاعات؛ فيجب تمكين قطاع الإنشاءات، الذي له دور كبير في تنشيط عدة قطاعات أخرى مرتبطة فيه. وذلك من خلال زيادة الإنفاق على المشاريع الرأسمالية، والتوسع في قرار اشتراط عقد المقاولة؛ للحصول على الترخيص المقترح للأبنية. ليشمل جميع المباني السكنية والتجارية ودور العبادة، في المدن والألوية على حد سواء. ولا بد من تفعيل الرقابة الدورية على مختلف الأبنية الخاصة، والتأكد من سلامة إجراءات البدء فيها. والزام المقاولين بتشغيل العمالة المحلية المستفيدة من برامج التدريب المهني، بنسب تتراوح ما بين 50% و 75% تقدر حسب تصنيف المقاول، وحجم المشاريع التي ينفذها.
وأما عن الإنفاق على غير المشاريع الرأسمالية التي تساهم في تقوية القدرة الشرائية، وتساهم في تحفيز عدد كبير من القطاعات. قد يكون بلا جدوى على المدى البعيد، في ظل وجود عدد كبير من المنشآت المتنافسة في السوق، وضعف القدرة الشرائية في الوقت الحالي. ويجب أن يشكل إعداد البرامج التي من شأنها تقوية القدرة الشرائية، أولوية قصوى للحفاظ على قوة الاقتصاد. ويمكن حث أصحاب المنشآت على الائتلاف، وتقليل أعدادها للحيلولة دون بقاء مستوى دخول أصحابها، دون الحد الذي يكلفهم بدفع الضريبة، من جراء توسع الرقعة التجارية بما يزيد عن حاجة أغلب المناطق.