رمزي الغزوي
كم كنت أحتاج لهذا الثلج الباذخ العطاء ليوقظ سبات بعض يأسنا. كنت أنتظره بفارغ الحب لأسترد ناصية عافيتي. كنت أحتاجه لأغسل روحي وتعبي، وأرطب ما تيبس من حلم ربيع قريب. كنت أتوق إليه لأستعيد توازني، وأعيد قلبي لإيقاعه الطبيعي. والجميل أن خمسينية الشتاء تعلن عن قدومه على وقع هذا الخير والفرح.
كان أجدادنا يتفاءلون كثيراً بهذه الخمسينية ويعولون عليها الكثير لمواسمهم وخيرها. وقد قسموها الى أربعة أجزاء متساوية، كل جزء يسمى (سعداً)، فيصبح لدينا بدل السعد الواحد أربعة سعودات. ومن المفترض أن هذا اليوم هو بدايتها بسعد الذابح، وهو اثنى عشر يوماً نصف اليوم، وسمي بهذا؛ لأن أحدهم كان يملك ناقة واحدة، ومن شدة البرد والمطر ذبحها واختبأ في جسدها.
أم السعد الثاني فهو (سعد إبلع)، فقد لاحظ أجدادنا أن الأرض في مثل تلك الأوقات تصبح لينة وطرية مثل الإسفنجة، من كثرة المطر الذي تلقته، والذي مهما غزر فإنها تبلعه وتخبئه في جوفها لقابل الأيام، وتفجره على شكل عيون وينابيع وجداول.
ومن بعد ذلك يهل (سعد السعود)، وفيه تبدأ الحياة تدب في الأرض بشكل لافت، فيبدأ جريان الماوية في العود، والماوية هي العصارة التي تمد النبات بالغذاء بعد فترة الكمون والسبات التي مرت، ولا تخلو هذه الفترة من زيارات المطر في بدايات آذار الذي يكنز في ذاكرتنا الشعبية (سبع ثلجات كبار).
آخر السعودات في خمسينية الشتاء هو (سعد الخبايا)، حيث نقترب من لثغة الربيع الأولى، ورائحة الصيف، ويكون هذا السعد في الثلث الأخير من آذار، وسمي بذلك لأن كل ما كان مختبئا في رحم الأرض من كائنات وأزهار وورود ونبات سينتشر منتشياً على وجه البسيطة. وستنتشر جحافل فرحتنا من الآن.
فأهلاً بأم الأربعة سعودات.