اسعد العزوني
عرف الفنان سهيل بقاعين بأنه رسام مبدع وفنان تشكيلي لا يشق له غبار ، وذاع صيته ليس في الوسط الفني الأردني فقط، بل إرتقى إلى العالمية وهو يستحقها عن جدارة ، لأن لدى الرجل ما يقدمه لمجتمعه دون تمنن أو تحميل جمايل،والغريب في الأمر ان هذا الرجل له خاصية عز نظيرها عند الغالبية العظمى من الناس ،وهي صفة التواضع وعدم تضخيم الذات ،والتكبر على الاخرين بحجة أنه فنان مشهور ورفع إسم الأردن عاليا،كما أنه صاحب إبتسامة لا تنقطع ،ويتمتع بدماثة خلق يحسد عليها ،ويتعامل مع الآخرين بحميمية حقيقية بعيدة عن التزييف والمجاملة،وهذا ما جعله رمزا محترما .
لم يتمترس الفنان سهيل البقاعين وراء إبداعه الفني،وينزوي خلف لوحاته الجميلة ،ويقول أنه فنان كبير يجب أن يتعلم الآخرون منه ،بمعنى أن الأنا المتضخمة عند البعض ،لا نجدها عند صاحبنا الفنان سهيل بقاعين لأنه وعلى ما يبدو لجمها منذ البداية ،ولم يسمح لها بالتمدد ،إيمانا منه بأن التكبر والأنانية هما عدوا الإبداع القاتلين .
خرج الفنان سهيل بقاعين من ذاته ونذر نفسه لمجتمعه ،ولم يختر النخبة بل كان جل إهتمامه بالمهمشين من أبناء مجتمعه ،وتحديدا فئة الطلاب الذين يعانون من مشاكل في النظر ،وتمكن بحصافة وذكاء من نقلهم من خانة المهمشين في زوايا العتمة والظلام،إلى فضاءات النور والفرح ،بأن جعل منهم فنانين يرسمون مثله ،وأصبحت لديهم لوحات فنية مميزة تحمل تواقيعهم ،وتطير معه إلى المعارض الفنية العالمية بأسمائهم ،وهذا ما جعل جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين يمنحه جائزة يستحقها قبل شهرين ،تقديرا له على حسن مواطنته وتفانيه من أجل أبناء شعبه بدون تمنن أو تحميل جمايل ،أو الإدعاء بأنه فعل للوطن شيئا مميزا.
هذا ما يعرفه الناس عن الفنان سهيل بقاعين ،وهو جانب مشرف بطبيعة الحال ويرفع الرجل درجات في مجتمعه وفي أعين أبناء شعبه ،وليت من يمنحهم الله مثل خاصيته أو أقل بقليل أن يسيروا على خطاه ،ويتواضعوا قليلا وينجزوا شيئا للوطن ،بدون إدعاء أو تقمص لشخصية المبدعين ،يفعلون مثله أو أقل بكثير ،فللوطن والمجتمع حق عليهم ،لكن ما نراه أن هؤلاء المدعين الذين يدعون انهم أبناء البلد وخدموا البلد ،يسعون فقط لنيل المكاسب ،وإن تبين أنه تم تجاوزهم يهوون على الوطن بمعاول هدمهم ولا تسلم منهم مرتبة مهما علت .
من مبادرات الفنان سهيل بقاعين المجتمعية المقدرة ،دعوته لإفطار صباحي يدعو إليه العديد من الأصدقاء ومن كافة المستويات ،ويجلسون على الرصيف في منطقة اللويبدة ،ويتجاذبون أطراف الحديث ،بطريقة مهذبة ومؤدبة ،فلا تجاوز ولا تطاول على أحد ،ولا غيبة او نميمة ،بل نقاش علمي هاديء هادف .
اليوم الجمعة شرفت بأن اكون ضيفا مرحبا بي عند هذه المجموعة النخبوية ،وكم تعلمت كثيرا منهم ،ففهيهم من ترتاح له النفس التي تسعى لأن تتعلم من الآخرين وتكتسب منهم ما هو مفيد في الحياة ، فهم كما سبق وذكرت اناس من ذوي الخبرة والإختصاص وغالبيتهم من المتقاعدين ،ومنهم من شغل مناصب عليا وحساسة ،لكنه يظهر لك أنه قمة في التواضع ،وهذا ما إكتشفته ،ولم أسمع من أحد أنه هو الذي بنى البلد أو أنه لولا جهوده لما كانت هناك بلد.
من الميزات التي يعتد بها في مثل هذه اللقاءات الحميمية صباح كل جمعة في اللويبدة بساطتها وهدوؤها ،حتى أن المارين في الشارع قرب الرصيف ربما لا يسمعون ما يدور من نقاش بين اعضاء المجموعة التي تصمت صاغية للمتحدث ادبا وإحتراما وتقديرا له .
كم نحن بحاجة لمثل هذه المبادرات ،وكم نحن أحوج للتواضع ونكران الذات ،والتواصل مع الآخرين بإحترام وتقدير ،لأننا بذلك نسير وفق خارطة الطريق الصحية التي ترشدنا للطريقة المثلى لبناء الوطن ،وهذا لا يتم ببناء العمارات والأبراج الشاهقة ،بل بقيام المبدعين بدورهم لبناء وطنهم من خلال بناء علاقات إجتماعية بعيدة عن المصالح والأحقاد.