د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
عٌدنا والعودُ أحمدُ
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، أعود معكم من جديد بـ(شذراتي العجلونية)، وقد قاربنا بإذن الله على الانتهاء من مرض (كوفيد 19)، وأنتجنا مجلسنا النيابي التاسع عشر؛ راجين من الله ألا يحل حتى لا يكون علينا أقسى من كورونا، هو ليس موضوع شذراتي، ولكن الشيء بالشيء يذكر؛ الأمل يحدونا نحن الأردنيون أن يخرج من بين أفراده من يحملون هم الأردن والأردنيين بحق، فأهلا بكم إلى أولى شذرات الإصلاح الإداري (الخل الوفي)؛ الذي لا نخاله أبداً إلا كذهب عجلون، كلنا يتغنى به ويفاخر؛ وليس منا من يجد له أثراً.
من يقرع الجرس
كلنا يعرف أين الخلل، ولكن ما ينقصنا هو من يقرع الجرس؟!! كلنا يعرف وحدة القياس الأمثل التي يجب استخدامها لقياس الخلل، والتوجه نحو الإصلاح الحقيقي، ويعرف ما هي وحدة القياس التي نستخدمها لنقيس الخلل؟ أو نقيس بها توجهنا نحو الإصلاح؟ وما هي البوصلة التي توجه سيرنا تاركين معاني الفساد، وراء ظهورنا؟ علينا أن نستفيد من تجارب الأولين وخبراتهم، وألا نغفل عن الاستفادة من تجارب المعاصرين، إلى متى يا قلب تغشاك الظنون؟؟!! ومن سيقرع لنا الجرس؟
المحاسبة من أجل المصالحة الوطنية
يبدأ الإصلاح الإداري بوضع اليد على الخلل الحقيقي، ومعرفة حجمه وحيثياته لوضع الترياق المناسب له؛ عندما وصل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا إلى سدة الحكم بعد معاناة طويلة، وسنوات سجن قاسية، ورأى الفساد قد استشرى في أوصال دولته: وضع للناس مبدأً قال فيه: نريد المحاسبة من أجل المصالحة الوطنية، لا من أجل المعاقبة. نعم يجب أن نوقف الفاسدين ونتوقف هنا، ومع أن المقترح سيواجه هجوماً عنيفاً لكن لو حققنا التوقف في هدر المال العام، والإفساد، وحررنا مجرى السيل لخرجت من أجسادنا كل أنواع البكتريا والفيروسات والطحالب والطفيليات، وحين يرى الشعب واقع المصالحة الحقيقية؛ سيدفع لهم ثمن تذاكر السفر، فلا رد الله غيبتهم.
ليس بالإمكان أبدع مما كان
لا أُراني متشائما إذا قلت بأننا – لا نجيد أكثر من الخطابة، والكتابة، والتنظير، وعندما نصل إلى التنفيذ الحقيقي يحجم أكثرنا، ولا يتقدم كثير منا نحو اتخاذ خطوات عملية بل يتراجع القهقرى، بحجة أن كل البلد تسير على هذه الشاكلة، وأن العطار لن يستطيع أن يصلح ما أفسده الدهر، ليس بالإمكان أبدع مما كان: هو كلام المتخاذلين، والمخذلين، والمثبطين، هو كلام المستفيدين من الوضع القائم، الذين لا يسعدهم أبداً وضع الرجل المناسب، بالمكان المناسب، لأن هذا يتعارض مع مصالحهم الشخصية فقط لا المصلحة العامة، إن المناصب والوظائف أصبحت إرثا يصعب نقل الشخص منها، كل المؤسسات تعيش الداء نفسه.
كي لا يكون الإصلاح الذي نسعى إليه “سراباً بقيعة”
إذا أردت أن تخطط لمدة عام فازرع أرز، وإذا أردت أن تخطط لعشرة أعوام فازرع شجراً مثمراً، وإذا أردت أن تخطط لمائة عام فازرع إنسانا، وزراعة الإنسان المثقف المنتمي هو ما يحتاجه الأردن. ولذلك فإن عملية التغيير والإصلاح في أي مجتمع تتطلب أمرين أساسيين متلازمين ومتكاملين؛ هما الإرادة السياسية والإدارة الحكيمة الرشيدة الصادقة والجادة في العمل، مما يستوجب، أولا وقبل كل شيء، توفير مناخ إداري ومالي نظيف وسليم. وتفعيل مبدأ الشفافية والمساءلة وتطبيق القوانين على الجميع سواسية تنفيذاً على الواقع لا مخطوطات على ورق، وإلا كان إصلاحنا سراباً بقيعة.
عوجا والطابق مكشوف
إننا ندرك ونعترف أن مجتمعاتنا العربية الحالية تمارس الدوران في فلك المسؤول الأول في المؤسسة، هذه حقيقة لا ينكرها إلا هؤلاء الذين يجهدون أنفسهم بإخفاء نور الشمس بغربال، كلنا نرى ما يرى المسؤول الأول، ونحس ما يحس، ونحتسي القهوة دون سكر إذا ابتلى الله سبحانه وتعالى رأس الدائرة بالسكري، ومنعه طببيه الخاص من شرب القهوة الحلوة. هذا جميل وغاية المطلوب أن ننسجم إلى حد كبير، وأن يصل التناغم بيننا درجة يصعب عندها التمييز بين الرئيس والمرؤوس، إذا كان تقارب وجهات النظر للصالح العام، لكن واقعنا مرير، كلنا يرى الذئب عياناً ويتتبع الأثر، إلى متى نسير في صحراء التيه؟؟؟؟.