د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، أعود معكم من جديد بـ(شذراتي العجلونية)، وقد قاربنا بإذن الله على الانتهاء من مرض (كوفيد 19)، وأنتجنا مجلسنا النيابي التاسع عشر؛ راجين من الله ألا يحل حتى لا يكون علينا أقسى من كورونا، هو ليس موضوع شذراتي، ولكن الشيء بالشيء يذكر؛ الأمل يحدونا نحن الأردنيون أن يخرج من بين أفراده من يحملون هم الأردن والأردنيين بحق، فأهلا بكم إلى أولى شذرات الإصلاح الإداري (الخل الوفي)؛ الذي لا نخاله أبداً إلا كذهب عجلون، كلنا يتغنى به ويفاخر؛ وليس منا من يجد له أثراً.
الغول والعنقاء والخل الوفي
رحم الله أهل الحكمة ممن مضوا قبلنا، فقد تركوا لنا من الحكم والأمثال ما تزخر به حياتنا اليومية وترشدنا في بعض المواقف، حدّثونا عن الغول والعنقاء، وأسهبوا في الحديث عن الخل الوفي، كون عملية الإصلاح الإداري حاجة حقيقية وملحة للأردن؛ فكلامهم مبرر؛ ولكننا لم نجد خلاً وفياً (إصلاحاً إدارياً) في حياتنا، رغم اجترار الحديث عنه في كل شاردة وواردة، ولم نجد إلا غولاً مفترساً (الفساد الإداري)، ينخر كل أوصالنا، ويقضي على كل آمالنا؛ سامح الله أجدادنا، هل الإصلاح الإداري حقيقة أم سراباً؟!
إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران
يروى عن الصحابي الجليل عثمان بن عفان، رضي الله عنه أنه قال (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران) مشيراً إلى أهمية القيادة، والإدارة، وأنه يمكن بهما تحقيق ما لم يحققه كتاب الله عز وجل في بعض النفوس، نعم فنحن نقرأ في كل يوم الآيات المحكمات التي تأمر وتنهى، تذكرنا وتعظنا لكننا لا نأتمر، ولا ننتهي، ولا نتذكر، ولا نتعظ؟!
أنا أعلم علم اليقين أن البون شاسع بين النظرية والتطبيق، فالتطبيق العملي أكثر وقعاً في النفس من أرقى وأسمى اللوحات التي تزخر بها مواقعنا المختلفة، الارتقاء بالأداء المؤسسي في القطاع العام الأردني إلى المستوى المطلوب، هو إرادة سياسية أولاً، ثم وبالضرورة إدارة تنفيذية، صادقة ومخلصة، تمتلك الانتماء الحقيقي لهذا الوطن، ولا تنظر إليه على أنها جمعة مشمشية؛ لو أردنا الهداية لاهتدينا، لو أردنا الوعظ لاتعظنا، لو أردنا الالتزام بالقوانين والتعليمات ومحاربة الفساد لفعلنا، رحم الله وصفي.
يا جدة، إذا ما حريتها ما بتصفى
حُرها حتى تعبي المي صافية، وتتهنا بالشرب: تعليمات جدتي عندما أرسلتني لأحضر ماء الشرب من “البُصَة” النبعة، فعمدتُ إلى عصاً طويلة خوفاً من أن تعلق الطحالب بيدي، وحررتُ بها مجرى الماء في البصة حتى ابتعدت جميع الطحالب التي يراها صحيحو النظر بالعين المجردة دون بحث، وسال إلى الحقول كل الماء العكر حاملاً معه الطحالب، ليجف نسلها بعيداً عن مواردنا. إن الطحالب والطُفيليات المتسلقة والمتملقة، ستسبب لنا كثيراً من الأمراض والأوجاع، وتكدر الحياة إذا لم نُزلها بإرادتنا وإدارتنا، يجب أن تعود مياهنا إلى مجاريها الصافية بحرية دون شوائب، ويجب أن تكون العصا طائلة وطويلة وقاسية على كل المفسدين؛ رحم الله جدتي.
إِنّي رَأَيتُ رُكودَ الماءِ يُفسِدُهُ إِنْ سَال طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
لعل ما يحقق لنا الشفافية ويعطي المواطن راحة نفسية وبيئة إيجابية تجعله يندفع ذاتيا لأداء واجباته، ويتفانى في عمله دون أي رقيب أو حسيب، هو الالتزام بسيادة القوانين، وتطبيق المعايير على الناس بالسوية، وأن عدم تطبيقها يؤدي حتما إلى تفاقم المشكلة، فيتسع الخرق على الراقع، (None Above Law).
لقد سأم الناسُ كلُ الناسِ تكرار الوجوه، وإعادة تكرير وتدوير المناصب، ليت شعري لو قبض الله إليه هذه الوجوه المكررة مرة واحدة، فهل كنا سنسير أو سنسيب كالقطيع، أما آن أوان التغيير!!!!!