د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدرًا؛ فترسمني شمســا
اللي بجرب المجرب عقله مخرب
انجاز : انتهت الانتخابات التركية، وانتقل الناس إلى جولة ثانية؛ ولكن خيبة أمل الغرب قائمة، ولا يمكن أن تزول آثار صدمتهم خلال أسبوعين، فهل يعود مناصرو كمال أوغلو إلى رشدهم، فإنهم لن يحققوا فوزًا ولا نصرًا، ولا نجاحًا حتى لو خسر أردوغان، لا سمح الله؛ فهم يريدون العودة إلى حكومة برلمانية، وقد وقعوا في الكمين، وقطعت طريقهم بتحقيق الأغلبية البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، الذي حصل على (322) مقعدًا من أصل (600) مقعد، مقابل (213) مقعدًا فقط لخصمه النصيري ربيب الغرب، و”يهود الدونمة”، وهو ذَنَبٌ من أذناب إيران، والفرق كبير بين نسبة (53.6%)، ونسبة (35.5)، في بلد الديموقراطية والبرلمانية، أي إن معارضتهم ستكون فاشلة في مهدها، وسُتولد مُشوَّهة ومُعاقة.
يعرف التاريخ أن أصحاب الباطل هم أوقح المخلوقات بالمجاهرة بباطلهم وعصيانهم، ونَكثهم لكُلِّ المواثيق والعهود؛ ألم تقم قبل ذلك “جمعية تركيا الفتاة”، أو “يهود الدونمة أهل أتاتورك”، بإعدام أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ تركيا، وهو عدنان مندريس؟ وهل سيسمحون للشعب الذي عاد لأصوله وجذوره الإسلامية بانتخاب رئيسٍ لهم كما يريدون؟ وهم يُعلنون جهرًا أنهم سيرتكبون كل أنواع الجرائم بحق الرئيس الحالي، وحزبه؟ ويُعلِّقونهم على أعواد المشانق إذا خسروا، لا بل ويهددون بإغلاق المصانع والمعامل، وسيهدمون إنجازات أردوغان كلها، وكأن أردوغان مُخلَّدٌ، وسيعيش عُمرَ سيدنا نوح عليه السلام، أو كأنها شركات خاصة له، ولأفراد عائلته، وليست للأمة التركية، والشعب التركي؟ فهو بشر له أجل، وقد يأتيه في أي لحظة حتى قبل الانتخابات، ولكن الإنجازات تركية، وستبقى إرثًا تُركيًّا، يذكر فيها أردوغان بالخير، إنهم فكروا وقدروا، فقتلوا كيف قدروا.
لا تبكوا أردوغان بتخاذلكم مثلما بكيتم صدام
أعاد أردوغان في عقدين من الزمان لتركيا مجد العثمانيين العريق دون أن يؤذي أحدًا، أو يتجاوز حدود “العلمانية” التي يطالبون بها، فقد عامل أفراد شعبه بمنتهى الديموقراطية؛ وقد غرس غراسًا أعدَّه للأجيال القادمة من الأتراك، وسيجعلهم يتنعمون بثمارها عقودًا؛ بل قرونًا قادمة، إذا ما حافظوا عليها، وإذا اختاروه وحزبه ليواصل المسير؛ فقد شَجَّع أردوغان على حفظ القرآن الكريم، ولذلك بلغ عدد حفظة القرآن نصف مليون طفل تركي، وجعل راتب إمام المسجد أكبر من راتب الأستاذ الجامعي؛ ولذلك هم يحاربونه ويشوهون صورته ويحاربون المساجد، بل بلغت بهم الوقاحة أن يصنعوا دعَّاسات أرضية يدوسها الناس على شكل مجسمات مساجد.
كانت ثورة أردوغان – إن جاز التعبير – على الظلم ناعمة الملمس، واستطاع التغلب على كل الخصوم، وسفّه أحلامهم، وحيّدَ أفكارهم، وهم يجلسون معه على مائدة واحدة، بل ويصفقون له إعجابًا؛ لأنه شرع لكل ذلك قانونًا من خلال مجلس الشعب (البرلمان) ومؤسساته الدستورية.
لهذا، يحارب الغرب أردوغان، فموقفه فاقع وواضح وصريح من أمريكا؛ لا للرضوخ والذل، أو الانقياد لأمريكا؛ وقد صرح بذلك غير مرة؛ قائلًا: بأننا لن نركع إلا لله تعالى، ثم فرض الضرائب وبنسبة (100%) على المنتجات الأمريكية، وزادهم أردوغان من الشعر بيتًا بدعوته للشعب التركي أولًا، وللشعوب العربية والإسلامية ثانيًا؛ وفي العالم أجمع بمقاطعة البضائع الأمريكية دون خجل منهم، أو وجل.
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
إنجازات عظيمة حققها حزب العدالة والتنمية في تركيا على الصُعُد كافة، وعلى المستوى الاقتصادي، والتكنولوجي، والتعليمي، والصناعي، والعسكري، والإنشاءات والتعمير، والعلاقات الدولية. فَرضت الدولة التركية بقيادة أردوغان على دول العالم أجمع، ومع ذلك فإن الانتخابات أفرزت ما يقرب من نصف الشعب ما زالوا يعارضون فِكره، وحتى إنجازاته إما لجهلهم وغبائهم، أو لعمالتهم وانقيادهم، وبُعدهم عن فطرتهم ومشاعرهم الدينية؛ مع أن الشواهد تنطق من حولهم عن ماضي تركيا القريب، وأين كانت حالة دولتهم، وإلى أي مرتبة ارتقت ونهض بها حزب العدالة والتنمية بها.