د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
تناولنا في شذراتنا السابقة ديمقراطية الغرب وعنصريته، التي تعتبر المثل الأعلى لبعض أبناء جلدتنا، وقد ساقتنا الأمور إلى تقديم موضوع ذي بال، عن مواصلة الحديث حول ما ترتكبه روسيا من جرائم بحق الإنسانية في مختلف بقاع العالم، وبما ارتكبوا في العالم العربي من انتهاكات. موضوعنا اليوم وبإيجاز سيكون في شأننا الداخلي حيث نقف على مشارف انتخابات مجلس النواب الأردني (19). وسوف نواصل الحديث في شذرتنا القادمة عن روسيا، وجرائمها.
دعوت على عمرو؛ فمات؛ فسرني بليت بأقوامٍ؛ ترحمتُ على عمرو
ندق أبواب مرحلة انتخابية جديدة، ستتعالى الأصوات المطالبة بالديمقراطية، لاختيار مجلس تشريعي جديد، وقد تعالت الصيحات والاستغاثات والنداءات من قبل مطالبة بحل مجلس النواب الحالي قبل أوانه، بل وحل حكومة النهضة التي لم تنهض في الأردن إلا بالضرائب، التي أثقلت بها كاهل المواطنين. ولذلك فإن الشعب الأردني بأكمله يطالب بإلغاء مجلس الأمة، وتوفير مخصصاتهم وإنفاقها على مشاريع ينتفع بها المواطنون.
دعونا الله على مجلس النواب (18)، وابتهلنا له أن يخلصنا منهم، وتخلصنا منهم ليس استجابة لدعاء شعب مسكين؛ بل لانتهاء الفترة القانونية لمجلس النواب. والغريب في الأمر رغم كل مقترحاتنا والحلول الاقتصادية التي نادينا بها جميعاً، بتوفير رواتبهم ومخصصات سفر النواب، إلا أننا نرى أن التسابق للفوز بمقعد في مجلس النواب قد حمي وطيسه بدأ منذ الآن، بالرغم من أنه لم يصدر قرار بشأن المجلس الحالي! سواءً بحل المجلس أو للتمديد له!
أصبح الأمر متاحاً لانتخاب مجلسٍ جديدٍ، ووصلنا مرحلة، الترشح والترشيح، التصويت والاقتراع، ويعدُ شهر كانون الأول (ديسمبر) القادم من الناحية الدستورية، هو التاريخ النهائي لإجراء انتخابات نيابية في الأردن، مرحلتنا القادمة ستكون مترعة بالمقالات، ومتخمة بالتحليلات، مزدحمة بالمناقشات، والمناظرات، وما إلى ذلك من حكايات يومية تعج بها صفحات التواصل الاجتماعي، ويشترك فيها كل قطاعات وشرائح المجتمع الأردني، كلها سوف تمجد الديمقراطية، وتستحث الشعب لممارسة حقهم الدستوري، باختيار من يمثلهم وينوب عنهم في مجلس النواب (19) الجديد، فهل يعاني الشعب الأردني من انفصام شخصيه؟!، أم ماذا ؟ نسأل الله أن لا يبتلينا بأقوامٍ (نواب)، نترحم بسببهم على مجلس نوابنا الحالي، ونتمنى جميعاً لو أن جلالة الملك قد مدد للمجلس (18).
يداك أوكتا وفوك نفخ
أعضاء مجلس النواب المنتهية مدته، تم اختيار معظمهم بنظام ثقافة الفزعة، ثقافة عد رجالك وارد الماء، ثقافة لا تقبل باختيار الشخص المناسب، ثقافة انحصرت باختيار الشخص الأقرب، وليس الأنسب، وقد تم صرف النظر عن الكفاءة، أو الخبرة، أو الأهلية، أجل إنها الحقيقة المرة، التي أردت أن أضعها بين أيديكم، سعياً مني لاعتماد معايير الأهلية، والكفاءة عند اختيار نواب المستقبل.
وإنه ليحزنني أن أقول بأن المجلس القادم، لن يختلف كثيراً عن المجلس الحالي الذي ينقم عليه معظم أبناء الشعب الأردني، ليس تشاؤماً بقدر ما هي قراءة للماضي والحاضر، في اختيار أعضاء مجلس النواب. بكل تأكيد لم تكن تشكيلتهم بسبب عقم الأردن، أو عدم وجود نواب يكون همهم الأول في المرحلة المقبلة، كيفية النهوض بجميع نواحي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، لكنها ثقافة الفزعة دون هدى، الصناديق لن تأتينا برجالات (سوبرمان) خارقة، إذا لم نغير ثقافة الفزعة، وإذا لم نبحث عن الأهلية والكفاءة في المرشحين للمجلس القادم.
نرجو أن لا يكون مجلسنا التاسع عشر، كما في قوله تعالى: {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}، وأن لا يكون مثيلاً لفيروس كورونا، (COVID 19)، ولا أن تتحقق فينا قصة المثل العربي المعروف: “يداك أَوْكَتَا وفُوك نَفَخَ”، وأرجو أن نحسن وكاء قربتنا، كي لا نغرق كما غرق صاحب المثل الذي لم يسمع النصح.
تعدُ شذرتي هذه بمثابة إبراء ذمة مني لمن أراد أن يبرئ منكم ذمته، أثناء عملية اختيار أعضاء مجلس النواب القادم، وإن الأمل يحدوني أن يكون المستقبل مبشراً، المجلس اختياركم وفيه اختباركم.
وافق شنٌ طبقة
يضرب هذا المثل المعروف لمن يحاول جمع الأشياء المتشابهة في الصفات، أو التي يوجد بينها تشابه وتوافق من ناحية الصنع، أو الوظيفة التي تؤديها، وهي قصة معروفة لدى كثير من الناس، تتحدث عن حكيم يقال له (شَنْ)، وهو من الذين يُعتدُ برأيهم، ويُستَرشدُ بهم، فلما أراد الزواج، طلب أن تكون طباع زوجته موافقة لطباعه، من حيث الذكاء وحصافة الرأي والفطنة؛ فجاب البلاد حتى وجدها، واقترن بها بعد طول عناء.
لماذا لا يجد شن في بلادنا من يستوعب عليه، ويفهم مراميه، أما آن لعقلاء الشعب أن ينتخبوا صفوة منهم، يحملون همومهم، ممن عرفوهم، وخبروهم، ممن عايشوهم وخالطوهم (قبل كورونا)، من أصحاب العقول النيرة، أم أننا فعلاً أمام حقيقة أن شنٌ وافق طبقة.
أليس بإمكان الشعب الأردني أن يبدع أحسن مما كان في مجالسه النيابية؟! بأن يجعل “كوتا للفكر والعقل”، على سبيل المثال، ويقدمهم ليمثلوه فعلاً، لا ليمثلوا عليه حقيقة، بصرف النظر عن درجة القرابة في دفتر العائلة، لا فرق في شذرتنا فيمن يكون، شنٌ أم تكون طبقة؛ مجلس نوابنا، أم الشعب، أيهم الحكيم (شن) وأيهم زوجته (طبقة) لا فرق في ذلك، ففي النهاية سيشكلان بيتاً واحداً، ينادى لهما، أو يطلق على بيتهما اسم واحد، بيت (شن) بيت الشعب.
لماذا نلعنُ في كل مرة مجالس النواب ألف مرة، ثم نتقاتل في المرة القادمة على إبراز ذات الأشخاص، ونبذل دونهم الغالي والرخيص، كي يصلوا القبة، وما أن يصلوا حتى يتناسى جُلهم عن سبق إصرار- ولمدة أربع سنوات بعد ذلك – شعبهم في غيابة الجب، شعبهم الذين ارتقوا هم على أكتافه، شعبهم الذين أوصلهم إلى عمان، وليس إلى لبنان – البوليفارد بجانبهم لا حاجة للسفر-.
هل لنا أن نعي جميعاً أن عائلتنا الكبيرة، والحقيقية، والتي يجب أن نفتديها جميعاً، وأن بيتنا الحنون الواسع والدافئ هو الأردن، (ماؤه وأرضه وسماؤه)، ويجب علينا أن نحافظ على مكوناته من أي تلوث، أو تلويث سياسي، أو تشريعي…، أما آن لنا أن نعرف بأننا سوف نكون محاسبين أمام الله، ربما بدرجة أكبر من أعضاء مجلس النواب أنفسهم، – إن لم يكونوا أهلاً لذلك – لأننا نحن الذين مكناهم، وأن في تمكينهم أذى لجميع مكونات المجتمع الأردني، تشريعات، وسياسات، وإدارات، حاضراً ومستقبلاً.
أم أن شنٌ وافق طبقة، وسبق السيف العذل