عوض الصقر
يتهيأ المسلمون في أنحاء العالم لاستقبال شهر رمضان المبارك بكلّ ما فيه من روعة وجمال وروحانية، ويُعلقون الزينة والأهلّة المضيئة معبرين عن ابتهاجهم باستقبال هذا الضيف العزيز الذي سيحل علينا غدا أو بعد غد..
إن من أعظم نعم الله علينا أن جعل لنا شهراً مُميّزاً عن باقي شهور السّنة نغتسل فيه من الآثام والمعاصي والأدران الحسية والمعنوية، ونُجدّد عزيمة التّوبة والإيمان، فشهر رمضان هو شهر الصّيام والبرّ والإحسان، وشهر العتق من النّيران، وتزداد فيه وتيرة التّكافل والتراحم، وفيه تتّجه القلوب إلى قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه، وهو الشّهر الذي أُنزل فيه القرآن مصداقا لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِنين).
وقد اختصه الله تعالى بفضائل وسجايا دون غيره من الشّهور، فنرى القلوب عامرة بالسكينة والطمأنينة والخشوع والتعرّض لنفحات الله عزّ وجل، طمعا في المغفرة والرضوان من رب غفور رحيم كريم، ليس لعطائه حدود ولا قيود. وفيه يجتهد المسلمون ويسألون ربهم ليكفّر عنهم سيئاتهم وأن يشملهم بعفوه ورضوانه ولطفه، ولذلك يحرصون على صيام هذا الشهر المبارك امتثالا لقوله عليه الصّلاة والسّلام: (من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ)..
وهو شهر الدّعاء والتوسل الى الله عزّ وجل فللصائم دعوة لا ترد عند الإفطار كما ورد عن الرّسول الكريم عليه السّلام: (ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ، ودعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المسافِر).. وهو شهر العمل الصالح الذي يقرب المؤمن من خالقه، فأداء العمرة في رمضان تُعادل ثواب حجة مع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كم ورد في الحديث الشريف، وهو شهر الاعتكاف، حيث يُستحبّ الاعتكاف في اللّيالي العشرة الأخيرة من رمضان فلعله يصادف ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.. ولكن وبسبب الظرف الراهن لكورونا فالمسلمون محرومون من أداء هذه العبادات في الوقت الحاضر.
إننا في هذه الايام بحاجة ماسة الى أن نتأسى بأخلاق نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.. ما أحوجنا أن نتلمس خطاه في هذه الأيام المباركة خاصة في ضوء انتشار كورونا.. ما أحوجنا أن نقتفي أثره عليه السلام في تعاملاتنا مع الآخرين فالدين المعاملة وليس مجرد عبادات وشعائر نؤديها في الصباح والمساء.. ما أحوجنا أن ينعكس الصيام وقدسية الشهر الفضيل على سلوكياتنا اليومية مع الآخرين وليس أن نهرع الى صلاة التراويح ونحن نقترف الموبقات ونحن نتحدث عن الصدق والأمانة وحقوق الآخرين وعلاقتنا بهذه المفاهيم النبيلة والقيم السامية ربما تكون كعلاقة الذئب بدم يوسف.
نعم هذا واقع حال بعضنا مع الأسف ويجب علينا أن نتذكر قول نبينا الكريم إذ يقول: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
ما أحوجنا أن نستغل هذه النفحات الربانية ونرفع أكف الضراعة بقلوب مؤمنة وأفئدة خاشعة ونوايا صادقة أن يكشف عنا وعن العالم أجمع البلاء والوباء وهذه المحنة وأن يعيد الى نفوسنا الطمأنينة والسكينة وأن يهيأ لنا من أمرنا رشدا، إنه على كل شيء قدير.
وخلاصة القول إن شهر رمضان شهر اجتهاد ومجاهدة للنفس.. وهو شهر تضحية وعطاء ومد يد العون لمن يعانون من الفقر والحرمان امتثالا لقوله تعالى: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين..