سهير جرادات
شو عم بصير بالبلد ؟!! .. شو عم بصير بالبلد ؟!!.. سؤال تم تداوله في الأسبوع الذي سبق ” المؤامرة “، والإعلان عنها، الأمر الذي أساء لنا خارجيا أكثر مما أساء لنا داخليا .. وتكررهذا السؤال على لسان بعض النخب السياسية ، وكان محور حديث عدد من الإعلاميين ( المقربين).. ولا ندري ! هل هذا السؤال إنذار مسبق لما هو مُقبل ؟!! أم نوع من الاستشعار بالخطر؟!!..
وفور الإعلان عن ” المؤامرة ” اختفت الحكومة عن ساحة الأحداث .. رئيس الوزراء أجاز نفسه مرضيا لإجراء عملية تحريرعصب (مبرمج لها مسبقا) ، وبذلك يكون حرر نفسه من أن يكون لاعبا رئيسيا في الإفصاح عن هذه القضية .. وغُيب ” عاشق الكلام والطباق والجناس في اللغة ” ، كما تم استبعاد أبناء العشائر؛ تفاديا لإثارة الحزازات المناطقية والجهوية .. وبقي ( وحيدا ) في الساحة وزير الشؤون الخارجية ؛ ليتحدث عن الشأن الداخلي!!..
دبت فوضى التصريحات الإعلامية للمسؤولين الذين دخلوا أيضا في ” مباراة ” لتنميق خطاباتهم وكلماتهم الرسمية التي ألقوها في احتفالية (معد لها مسبقا) واستمعنا لعبارات لم نعتد عليها، وصدر منهم كلمات جارحة بحق أفراد من العائلة الحاكمة ليس من حقهم التطاول عليها في أي حال من الأحوال، ولا تحت أي ظرف من الظروف ، وجاءت تصريحاتهم مبالغا فيها؛ لتدل على عدم استيعابهم لمعنى الولاء وماهيته ، حتى يظن من يستمع لهم بأنهم نصبوا أنفسهم ( حكاما ) وجرموا حسب أهوائهم ، وأصدروا أحكامهم المسبقة !!
والأهم من كل هذا وذاك ، غياب الحكماء والعقلاء ، إذ كشفت هذه الحادثة خلو الساحة منهم ، وأن الاختيار من أساسه خطأ؛ بعد أن أظهروا أنهم أبعد ما يكونوا عن الحكمة والوعي، لنكتشف أنهم ليسوا أكثر من فريق ( هتيف ) يتنقل بين صفوف المشجعين في الملاعب، طالما أن فريقه قوي ويحتفظ بقوته، وحتى يضمنوا استمرار الفائدة، فلا مانع من الانتقال في حال أصاب الضعف فريقهم إلى صفوف الخصوم الذين يثبتون قوتهم .. وهذا ما أظهره لنا رصد التصريحات التصعيدية أثناء وجودهم في صفوف الخصوم ، وعندما هدأت الأمور وتبدلت، وجدناهم يتحولون إلى صفوف المشجعين لخصومهم الأول..لأن الأمر بالنسبة لهم ، لا يتعدى مباراة فيها الربح والخسارة ، فهذه الفئة من أصحاب الألقاب الرنانة الذين بعضهم يفتقرون للحكمة تبحث دائما عن هامش الربح!!..
في خضم معركتنا مع ” المؤامرة ” كان اعلامنا كالمعتاد مغيبا سواء كان الأمر غير مقصود أو مقصودا لمنح المعلومة القوة والمصداقية وحتى لا تصدر على لسان مسؤول محلي وتأخذ منحى الخبر ، وليبقى في دائرة التحليلات والتسريبات ، حتى تربع الإعلام الغربي على (عرش المعلومة ) كونه الوحيد الذي تتوفر لديه المصادر ، مما أجبرنا ونحن نبحث عن المعلومة والمفردات المتوازنة أن نستند إلى تقاريرهم الصحافية التي اعتمدت على مصادر داخلية محرمة علينا، لنثبت مجددا أننا لسنا أكثر من متلقين ، وليؤكدوا لنا في كل مرة أن إعلامنا مغيب حتى عن الشأن الداخلي وكأنه لا يعنينا..
واستمر التخبط ، وكما توقعنا صدر أمر بمنع النشر .. وكالمعتاد امتثلنا للأوامر ” اللاديمقراطية ” والبعيدة عن حرية الرأي والتعبير، وقلنا : ولا الضالين آمين.. و”رفعت الأقلام وجفت الصحف “.. لكن الأمر لم يرق إلى (منظمة صحفيون بلا حدود)، التي بانتقادها اجبرت الحكومة العودة عن قرارها والسماح لنا بالنشر – ما لم يتعلق بسير القضية- .. لنتأكد بأن العقلية القمعية هي الاساس لدينا وأن الاستثناء هو الاستجابة للتقاريرالخارجية والإنتقادات وما علينا إلا أن نرضي الخارج، وآخر همنا الداخل وشأنه..
الأمر لم ينته ، فهناك ارتدادات لكل هزة وفي قادم الأيام سنشهد اختفاء العديد من الصور وستشهد الساحة الكثير من التغيرات، منها سيلقى القبول وبعضها سيثير القلق .. لكن كما يقال: “في الحركة بركة ” وهذه الحركة فيها كثير من الربح وقليل من الخسارة.
في كل حادثة مرت أو تمر على الوطن ، نتأكد بأننا غرباء في وطننا .. الحرية تمنح بقرار وتحجب بقرار .. نتحدث عندما يُسمح لنا ، ونؤمر بالتوقف عن الكلام .. لنتأكد بأن هناك خللا كبيرا بحاجة الى إصلاح .. ليضاف هذا الخلل الى قائمة المطالبة بالإصلاح ، والقائمة تطول ..