د . عودة أبو درويش
هذه قصّة واقعيّة تجري فصولها حاليّا في الاردن .
عاد الموّظف المتقاعد حديثا مع زوجته من سفره قبل سنتين الى عمّان لمراجعة احدى المستشفيات للعلاج ، والاطمئنان على صحّته بعد أن قضى أكثر سنين عمره في وظيفة يخدم بها وطنه على أحسن ما يكون . مثابرا نشيطا حتّى في آخر الأيّام التي كان يعرف فيها أنّ كتاب التقاعد في الطريق اليه . وما أن أقترب من باب بيته ، حتّى تبيّن له أنّ أحدا ما قد خلعه ، وبسرعة أكتشف أنّ منزله تعرّض للسرقة ، وأنّ السارق قد أخذ بعض الحاجيّات من البيت من ضمنها دفتر للشيكات كان قد حصل عليه من البنك الذي يتعامل معه من أجل أن يكفل به دراسة ابنته في احدى الجامعات وتبقّى فيه أربع ورقات غير مستعملة . حضر البحث الجنائي الى المنزل ، صوّروا المكان ، ووضعوا مادة سوداء على الأبواب والحيطان ، ليكتشفوا بصمات السارق ، التي تبيّن أنهم لم يكتشفوها لأنّهم لم يقبضوا عليه لغاية الآن .
كتب كاتب المركز الأمني واقعة السرقة وهو ينفخ دخان سيجارته ذاكرا بين الحين والآخر أنّ السرقات قد ازدادت في الآونة الأخيرة ، ولاعنا السارقين الذين لا يعطونه مع زملائه الراحة . وأعطى نسخة من بلاغ واقعة السرقة الى الموّظف المتقاعد بعد أن وقّعه الضابط المناوب في تلك الليلة . وبدأت معاناة الموّظف المسروق ، الذي بادر بإعطاء البنك نسخة من تقرير الشرطة ووعده مدير فرع البنك بأن يستخدم التكنولوجيا ويجري اتصالاته سريعا مع الادارة الرئيسيّة وباقي الفروع لإبلاغهم بسرقة أوراق الشيكات التي كان من السهل معرفة أرقامها . وبدأ هو بالسؤال الدائم ان كان البحث الجنائي قد توّصل للسارق ، وكانت الاجابة بلا دائما .
وفي صباح أحد الأيّام ، اتّصل به موظف من خدمات النقل السريع يخبره أنّ عليه أن يستلم كتابا من محكمة الكرك . استغرب الموّظف المتقاعد عندما فتح بلاغ المحكمة والذي يطالبه بأن يدفع لشركة الكهرباء مبلغ يزيد عن الالف دينار ، لأنّ الشيك الذي أعطاه على ما يبدو السارق أو أحد المتعاونين معه ، لمحاسب شركة الكهرباء ، بعد أن كتب فيه المبلغ المطلوب منه لسداد ما ترتب عليه من فواتير غير مسددة ، عاد من البنك لأنّه بلا رصيد ، مع أنّ التوقيع عليه كان لا بدّ أن يكون مزوّرا . احتار الرجل ، ولكن كان لا بدّ من السفر الى الكرك ليفهم القضيّة ، التي تبيّن أن أحدهم ، قد اعطى شيكا من الشيكات المسروقة لشركة الكهرباء التي تغاضى موظفوها عن فصل التيّار عن بيته ، مع أنّهم يفصلونها عن الناس العاديين اذا لم يدفعوا فاتورتين ، ومنذ متى تقبل شركة الكهرباء الشيكات المجيّرة .
دفع نقودا لمحامي من أجل ابطال القضيّة ، وتفّهم القاضي المسألة ولكنّهم وجدوا أن تاجر أغنام قد اشتكى على الموّظف المتقاعد لأنّ عليه أن يدفع له أكثر من ألفي دينار بدل اغنام اشتراها السارق من التاجر ، وأعطاه شيكا من الشيكات المسروقة بعد أن زوّر التوقيع ، وجيّر الشيك ، الذي كان أيضا بلا رصيد ، فاشتكى التاجر في المحكمة على الموّظف المتقاعد وليس على السارق . بعدها تمّ ابلاغ البحث الجنائي باسم الشخص الذي قدّم الشيكين ، وفرح المتقاعد فرحا شديدا لأن يد العدالة لا بدّ أن تقبض على الجاني ما دام أصبح معروفا .
قبل أيّام ، وبعد سنتين من حادثة السرقة ، أوقف رجال الشرطة المتقاعد على الطريق الصحراوي مرّتين لأنّه محكوم عليه بدفع مبلغ يتجاوز الثلاثة آلاف لشركة الكهرباء ولتاجر الاغنام ، والسجن لمدّة عام بحكم صادر من محكمة الكرك . أخلي سبيله بكفالة ولكبر سنّه . وكان علية أن يراجع المحكمة وأن يعيّن محامي للدفاع عنه وكأنّه أصبح المجرم مع أنّه المجني عليه ، ولا يزال السارق حرّا طليقا مع أنّ اسمه معروف وربّما مكان عمله .
ونحن لا زلنا نتغنّى بأننا وصلنا الى الحكومة الالكترونيّة ، التي لم نستطع فيها أن نتبيّن أن شيكات بأرقام معروفة ، هي شيكات مبّلغ عن سرقتها . وأنا أدعو الموظف المتقاعد المحترم أن يشتكي على شركة الكهرباء وعلى ادارة البنك وعلى تاجر الأغنام ، فهؤلاء لا يفهمون الاّ لغة الشكوى ، لعلهم يعلمون أنّ الاضرار بالناس أقترن بالشرك بالله .