مصطفى الشبول
صحن شوربة
في قصة يرويها أحد مصوري الاستوديوهات حدثت معه في رمضان قبل الماضي ، حيث يقول : دخل عليَّ رجلان في الخمسين من أعمارهم وطلبوا مني أن أقوم بتصوير حفل إفطار تقيمه إحدى الجهات للأيتام والأسر العفيفة…وفعلاً تم الاتفاق على المكان والزمان … ولما حضر الموعد دخلت إلى القاعة الذي يقام فيها هذا العمل الخيري وكان حضوري قبل رفع الأذان بساعة حسب طلب القائمين على العمل ، حيث قال لي المسؤول: سيتم زيادة أجرتك بقدر ما يكون تصويرك ناجح ومؤثر ، فسألته عن قصده بكلمة مؤثر؟ وكيف يكون تصوير مؤثر بمثل هذه الأعمال الخيرية؟ .. فقال : يجب أن يظهر في التصوير تلك الفرحة التي سنرسمها على وجوه الفقراء والأيتام وذاك الكم الكبير من السعادة التي نغمرهم بها ، وكذا يتم التركيز في التصوير على نوعية الطعام ولهفة الفقير وهو يأكل الدجاج واللحم والأرز بالإضافة إلى تصوير الصحون وهي مليئة بالطعام و بعد الانتهاء من الأكل وكيف صار وضعها …
ورُفع أذان المغرب وبدأ الناس بالإفطار وبدأت بالتصوير على أصوله ، وكلما أَنْشغل للحظات عن التصوير بسبب تناول حبة تمر أو شربة ماء ، أرى إشارات من بعض القائمين بأن أستمر بالتصوير ، حتى أنني لم استطع تناول الإفطار إلا بعد العودة إلى البيت بسبب زخم التصوير المطلوب وتلك الرقابة والتشديد من قبل القائمين على هذا العمل على تصوير كل لحظة من الحفل الذي يسمونه خيري رغم بعده الشديد عن الخيرية بل أنه عمل إعلامي وإشهاري …
ويكمل المصور قوله: بأنه لم يعاني ويتعب من أي تصوير (لا في تخرج جامعي ولا حفل حناء ولا زفة عريس) مثل ما تعب وعانى من هذا التصوير …
نقول بأن هناك ألف طريقة تستطيع أن تساعد بها الفقير والمحتاج واليتيم دون أن تضعه بهذه المواقف المحرجة ودون أن ترصد الكاميرات فوق رأسه وهو يأكل لقمة الإفطار أو يستلم بعض المعونات ، فرحم الله أيام زمان كانوا لا يُشعرون الفقير بحاجته ولا بفقره وإنما يدعموه بكل شيء ويرفعوا من معنوياته على أنه شريك معهم في نتاج محاصيلهم وثمار كرومهم.
ومن لا يذكر كيف كانت الصحون تتناقل بين البيوت قبل أذان المغرب وكيف كان يُحسب حساب فقراء الحي بكل شيء دون تصوير ودون أن ينشروا على المواقع والصفحات ..فهناك لفتة رائعة حدثت بإحدى الدول عندما علمت المصانع التي تنتج الطحين أن النساء الفقيرات يستخدمن أكياس الطحين الفارغة لصنع ملابس لأطفالهن ، أصبحت هذه المصانع تقوم بتعبئة الطحين في أكياس مزخرفة بالورود والأشكال لتصبح ملابس الأطفال جميلة… فهذا عندما تكون الرسالة إنسانية، ويكون العمل خيري بحق…