د. حسن المومني
منذ أن أعلن الرئيس ترمب نيته اطلاق مبادرة سلام ( صفقة القرن) تؤدي إلى انتاج حل تاريخي غير مسبوق بين الفلسطينيين والاسرائيليين شكلت هذه المبادرة معضلة للأطراف المعنية بعملية السلام وبالذات للفلسطينيين والأردن. حيث تنبع معضلة هذه الخطة من جدلية شخوص الفريق الأمريكي القائم على الاعداد وافتقار بعضهم للخبرة السياسية وانحيازهم الكامل لإسرائيل .
كما أن الأسلوب المتبع في الاعداد يتسم بالسرية والغموض المتعمد. إن مما زاد الوضع تعقيداً هو الخطوات اللاحقة التي اتخذها ترمب من حيث الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري المحتل.
كما تكمن جدلية وخطورة هذه الخطوات بأنها نسفت المبادئ القانونية والمنطق السياسي الدولي الذي حكم مرجعيات العملية السلمية وبخاصة قراري مجلس الأمن 242 ،338 ومرجعية مدريد إضافة إلى حل الدولتين وتأسس أسبقيات تعترف بالأمر الواقع.
وهذا يشكل تهديداً للمصالح والثوابت الفلسطينية والأردنية. كما أن العامل الأهم الذي يشكل معضلة للأطراف العربية وبخاصة الأردنية والفلسطينية ينبع من مكانة الدولة صاحبة هذه المبادرة على اعتبار أنه ومنذ عقود طويلة دئبت على احتكار العملية السلمية كطرف ثالث هو الأكثر تأثيراً من حيث القوة وتشابك العلاقات والروابط الاستراتيجية مع الفرقاء فإن هنالك احتمالية كبرى بأن تمارس ادارة ترمب ضغوطاً هائلة على الأطراف المعنية وبالتالي فمن أن يكون هنالك اشتباكاً اجبارياً مع هذه الخطة قد يؤدي لاستئناف المفاوضات وذلك على قاعدة أن الاشتباك لا يعني الموافقة .
في مثل تلك حالات تلجأ الأطراف التي عادة ما تواجه ضغوطاً خارجية كبيرة وغير راغبة في دخول مفاوضات حقيقية إلى الاشتباك ( المفاوضات من أجل المفاوضات) وذلك للهروب من الضغوط والخوف من العواقب التي قد تتبع الرفض. بالرغم من الضغوط المتوقعة من قبل الادارة الأمريكية فإنني لا أتوقع أن تؤدي هذه الخطة المقترحة إلى حل تاريخي حتى لو حملت بعض الجوانب الايجابية في الشق السياسي منها وبخاصة المتعلقة بالقدس والدولة الفلسطينية التي يمكن البناء عليها مما قد يشكل دافعاً للأطراف لاستئناف العملية السلمية حيث أن عدم توفر الظروف الملائمة التي تؤدي إلى إنتاج حلول سلمية مقبولة.
ان من بديهيات حل النزاعات هو توفر ظروف ملائمة تتعلق بطبيعة النزاع ومواقف الأطراف المعنية والبيئة الإقليمية والدولية التي ينشط بها النزاع تؤدي إلى اطلاق مفاوضات ذات معنى. فالتحليل المنطقي لواقع الأمور والحالة الراهنة للصراع العربي الاسرائيلي يشير إلى عدم توفر كثير من المتطلبات آنفة الذكر وخاصة فيما يتعلق بالموقفين الاسرائيلي والفلسطيني وأوضاعهما السياسية الداخلية.
يتسم الموقف الاسرائيلي حالياً بسيطرة اليمين بكل أطيافه على مجريات السياسة الداخلية وبغياب معسكر داعم للسلام ذا تأثير واضح داخل المجتمع الاسرائيلي . حيث أن هذا اليمين يعارض اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ويعتبر أن القدس هي عاصمة دولة اسرائيل الأبدية وضم المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية كما يرفض مبدأ حق العودة للاجئين الفلسطينيين وأن أكثر ما يمكن عرضه هو نوع من الحكم الذاتي الموسع أو دولة ناقصة السيادة ومنزوعة السلاح على الأجزاء المتبقية من الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أن هنالك قناعة لدى القادة والنخب اليمينية بأن السلام مع الفلسطينيين ليس بأولوية وأن ما يجري في المنطقة من فوضى ووجود ادارة أمريكية داعمة بشكل غير مسبوق اضافة إلى الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني الحاد قد وفر بيئة استراتيجية لصالح اسرائيل لذا فانهم غير معنيين بتقديم تنازلات كبرى حول القضايا آنفة الذكر.
أما بالنسبة للموقف الفلسطيني عموماً وخصوصاً موقف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية فان مسألة الدولة المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية هي من الثوابت الرئيسية التي لطالما تمسك بها الفلسطينيون عبر عقود من المفاوضات المضنية مع الجانب الاسرائيلي ولا أعتقد أن هنالك أي من القيادات الفلسطينية الحالية قادرة على تقديم تنازلات تتعلق بهذه الثوابت .
ان المشكلة الرئيسية التي أضعفت الموقف الفلسطيني تتمثل في حالة الانقسام العميق منذ 2006 وبخاصة ما بين حركة فتح وحماس والذي نتج عنه إلى حد ما وجود كيانين منفصلين في غزة والضفة الغربية اضافة إلى غياب رؤية توافقية بين هذه الأطراف حول عملية السلام مع إسرائيل.
هنالك أيضاً مشكلة أخرى تتعلق بالقيادة المستقبلية للفلسطينيين أو ما يسمى فترة ما بعد الرئيس عباس ، إن أبو مازن يمثل آخر فرصة ضئيلة لتسوية سلمية مع اسرائيل على اعتبار أنه آخر القيادات الوطنية الفلسطينية التي تتمتع بدعم شغبي كافي يمكنه من توقيع اتفاق مقبولاً لذا فإنه في خالة غياب عباس هنالك احتمالية كبيرة ألا يخلفه قيادة بوزنه قادرة على ملء الفراغ أقلها في المستقبل القريب.
وبناءً على ذلك فإن المصير المحتوم لهذه المبادرة هو الفشل في انتاج حل تاريخي يرضي الأطراف المعنية وبالتالي اضافتها إلى عشرات المبادرات والخطط المقترحة التي شهدها الصراع العربي الاسرائيلي ويبقى الوضع الراهن سيد الموقف أقله على المدى المنظور إلى أن تحدث تغيرات جوهرية خاصة بالموقفين الاسرائيلي والفلسطيني.