كتب : الصحفي عمران السكران
في أزقّة إربدَ العتيقة، كان لصوت مدفع رمضان وقعٌ خاص في قلوبنا الصغيرة، فهو لم يكن مجرّد إعلانٍ للإفطار، بل كان جزءًا من طقوسٍ يوميةٍ ننتظرها بشغف، كنا نجتمع نحن الأطفال بعد العصر، نتحرك في مجموعات صغيرة نحو منطقة ظهر التل، حيث المدفع الرابضُ هناك بوقاره المعتاد مستعدٌ لإطلاق ذلك الصوت الذي يعني بدايةَ وليمةِ العائلة وضجيجَ أزقّةِ الحارة.
في طريقنا إلى المدفع، كانت الأحاديث تتنوع بين قصصِ المدرسة، ومغامراتنا اليومية، وتوقعاتنا عن أطباق الإفطار التي تنتظرنا هذا المساء ومساءات إربد القادمة في هذا الشهر، وكنا نركض أحيانًا ونتباطأ أحيانًا أخرى حتى الوصول إلى مكان المدفع، لكن مع اقتراب موعد الأذان والاستعداد لإطلاق العنان لهذا المدفع الذي كان يُحشى بشرائط قديمة وبارود، تتسارع دقات قلبنا وتتهيأ خطواتنا بحماسةٍ وترقّب، وما إن يدوي صوتُ المدفع برائحةِ البارود والشرائط المحترقة، حتى ينطلق الجميع في سباق العودة، وكأننا في مسابقةٍ غير معلنة، نركض نحو البيوت، حيث الأهل بانتظارنا على سفرةٍ تعجُّ بأطباقٍ شهية، وسط روائح الحساء، والقطائف، ورائحةِ التمر الهندي الذي أبدع في صنعه (فوزي السلطي)، وأصواتِ التهليلِ من المآذن، خاصة مأذنةَ المسجد المملوكي القريب من حارتنا بأدراجها وأزقتها التي تعجُّ بصحونٍ تتناقلُ كأطباقٍ طائرةٍ بين أيدي أطفالٍ يغمرهم فرحةُ أبوابِ بيوتنا المفتوحة دائمًا للحنين.
كانت لحظات تختصر روحَ رمضان ودفءَ العائلة ودفءَ الجيرة، لحظاتٍ تبقى محفورة في الذاكرةِ رغم تبدل الأيام.
يعمل في وكالة الأنباء الأردنية (بترا)/عضو نقابة الصحفيين الأردنيين