أ. سعيد ذياب سليم
أحزموا الحقائب، ضعوا خطة للصيف، وانطلقوا، برا بحرا جوا، استمتعوا بأجواء الصيف، اقفزوا إلى الماء، تراشقوا به كالأطفال، نحن بحاجة إلى غسل همومنا، وإزالة ما علق في قلوبنا من عتمة الشتاء، قد أنهكتنا أحمالنا، لنجلس باسترخاء على الشاطئ أو تحت ظل شجرة، ولم لا نزور حديقة الألعاب ونركب عربات الجبل الروسي، لنتزحلق إذن هيا…هيلا هوب.
أيام قليلة و يغادر الطلبة ساحات مدارسهم، ليبدؤوا رحلة الفراغ، ستعلو أصواتهم في البيت، يلاحق الكبير منهم الصغير، ويسحب الولد جديلة أخته، يتدافعون في الذهاب و الإياب، يحطمون بعض أواني الورد، تولول الأمهات، و يصرخن خلفهم، يهربون إلى الشارع لبعض الوقت، يستقبلهم بفوضاه الاجتماعية، خلال رحلتهم لاكتشاف الذات وإثباتها، يتعلمون عادات غريبة في معزل عن الرقابة الأسرية ، عادات لا تخطر على بال أحد.
كيف نساعد في تفريغ طاقاتهم واكتشافهم لذواتهم؟ لماذا لا نخطط لهم شغل فراغهم؟ رحلة مثلا تغير روتين حياتهم في الصيف، يغلقون خلالها أجهزتهم الإلكترونية، رحلة تتفق مع ميزانية الأسرة، شاطئ أو مسبح قريب ، وربما تكون وجهتهم مدينة أثرية كجرش أو البتراء، ترفيهية و أيضا تعليمية ، يجمعون عنها ما يستطيعون من معلومات تاريخية و جغرافية، يستخدمون في ترحالهم تطبيقات مثل نظام تحديد الموقع “GPS” لمعرفة الاتجاه و المسافة، يمارسون مهاراتهم الاجتماعية، ويصنعون صداقات جديدة، إنه وقت المغامرة و المرح.
قد نذهب معهم إلى بعض المكتبات العامة، نضع قائمة كتب يجب قراءتها و الاطلاع عليها، واقتنائها لتعزيز المكتبة البيتية ، وغرس عادة القراءة لديهم، حتى لا يفقدوا كل ما تعلموه خلال السنة الدراسية الماضية، فالقراءة نوع آخر من الترحال لا يكلف كثيرا، ويساعد في تمضية وقت الظهيرة، حين يتحالف الملل و الحرارة والفراغ ، الوقت الذي تعيد فيه القنوات عرض مسلسلات الليلة السابقة.
لم لا نثور على سلطة التلفاز، ونخرجهم من أمامه إلى حديقة قريبة، أو رحلة تسوّق نستعرض فيها و إياهم أسعارا و نوعيات سلع معينة، ونقارن بينها، لنناقش معهم تباين الأسعار و الخصم والتضخم ومفاهيم اقتصادية أخرى ، يتعرفون بها على حركة السوق، وقد يشجعهم ذلك على العمل في الصيف كطريقة للادخار، تساعدهم في تحقيق بعض مطالبهم أثناء السنة الدراسية القادمة، على أن لا يبيعوا السكاكر على الإشارات الضوئية .. فهي حكر للمهمشين!
زيد من الفتيان الذين يتابعون ما تنتجه مدينة السينما “هوليوود”، يتلقف الخبر ليبحث عن المقاطع السينمائية الدعائية للفيلم، فإذا لم تتوفر منه نسخة مقرصنة على أحد المواقع يجمع أصدقاءه ويذهبون إلى إحدى دور العرض لمشاهدته، نوع آخر من المغامرة والمتعة ، نستطيع ممارستها ومناقشتهم في صناعة السينما وما تحويه من خدع و تقنية وتخييل، تجربة فريدة تختلف عن الجلوس أمام شاشة التلفزيون، خاصة إذا كان العرض بالأبعاد الثلاثية ، ربما تسأل عن الأبعاد الأخلاقية لتجربة كهذه، لا تقلق، إنهم يعرفون الكثير، وفي مجال الحديث عن الفن، ربما يصدف أن تعرض دائرة الثقافة إحدى مسرحياتها الخاصة بالأطفال، فتكون مناسبة لجمع أفراد الأسرة و صنع ذكريات نحملها معا للمستقبل.
هو الصيف إذن بفوضاه الذي يشهد انفلاتنا وخروجنا من المألوف، و متعة السهر في حضرة الغُيّاب حتى ساعة متأخرة، لن نحفل بحرارة الجو ولا زفير الأرض الساخن، كثير من المرح و قليل من الجد، سيتحرر الأولاد من واجباتهم المدرسية، وامتحاناتهم سيذكرون زملاءهم و مقالبهم مع معلميهم، الذين يمضون إجازتهم الصيفية في انتظار مناهج جديدة ، لن يلعبوا على الشطآن، ربما يقرؤون كتابا ، يحلمون بالمدينة الفاضلة ، ويعملون على تحضير خططهم للسنة الدراسية القادمة .. وصيّف يا صيف.