رمزي الغزوي
في زمن غابر أراد أحد الأمراء أن يتزوج بطريقة ذكية. فأعلن عن مسابقة يحق لكل فتاة أن تخوضها، وستفوز التي ينضج طعامها بالزمن المحدد!. فوزعت على المتسابقات كميات متشابهة من احتياجات الطهي، وقلب الأمير ساعته الرملية معلناً بدء المعركة المطبخية، وأخذ يراقب المشهد.
في الميدان أخذت كل فتاة تسرع بإعداد الطبخة. لكن من ستكون الفائزة؟!، ولماذا اتخذ الأمير هذه الطريقة لاختيارها؟!، فمن المؤكد أنه لا يريدها طاهية في قصر يعجُّ بأمهر الطهاة!.
معظم الفتيات انشغلن بتحريك الطبخة بالمغرفة (ملعقة كبيرة)، وكل حين يرفعن غطاء القدر؛ للتأكد من النضج والمذاق، وقد بدأ عليهن الاستعجال، ولهذا كانت الفائزة تلك الفتاة التي قعدت بهدوء جانب قدرها، وأخذت تذكي نارها بالحطب رويداً رويداً، ولم تحاول طيلة الوقت أن ترفع غطاء القدر، محافظة بذلك على الحرارة، التي أنضجت طعامها بسرعة، وأصبحت أميرة بفضل صبرها ورزانتها. فيما الأخريات بقين حزينات مع طبخاتهن نصف النيئة!.
من الواضح أنه كان للفائزة استراتيجية ثابتة، فهي انهمكت في إذكاء النار، ولم تحاول أن تبدد حرارة طنجرتها برفع الغطاء كل حين، ومع كثير الأسف، نحن لم نمتلك هذه الاستراتيجية في تعاملنا مع مشاريعنا، بل أن جل قضايانا أدرناها بسياسة الفزعة، والتعجل وقلة الصبر والتمتع بأكثر من رأي، وأكثر من بال.
منذ تأسيس الدولة منذ قرن وعمر الحكومة لدينا لا يتجاوز السنة بالمعدل. مع أنه في الأصل يجب أن تعطى الحكومات زمناً محدداً وكافياً لإنضاج خططها وأهدافها، لكن ما نراه من إدخالات وإخراجات وتكتيكات وتعديلات واستقالات، ليس إلا من باب تبديد الحرارة برفع الغطاء كل حين، وهو ما أخر نضجنا وعرقل مسيرتنا، والنتيجة مديونية متخمة تكسر ظهورنا يوما إثر يوم.
فهل سيأتي حين من الدهر ونرى حكومات طويلة عمر في بلدنا. حكومات برامجية تقوم على استراتيجية ثابتة لها رؤية محددة وواضحة. وليست حكومات تكتيكية انفعالية تمشي أعمالها يوما بيوم؟. هل سياتي يوم وتكون لدينا حكومات مبنية على دقة اختيار لأعضائها، فلا تحتاج كل حين إلى تعديل ورفع غطاء وتحريك؟. نريد حكومة واحدة فقط تكمل طبختها.