أ. سعيد ذياب سليم
تمتد حبال الزينة بين النوافذ والشرفات ، تهتز مع الرياح في رقصات عفوية، تومض أنوارها، تخفت ثم تتوهج من جديد، تخفق كالقلب فرحة، هي ليلة عيد، أضيئوا الفوانيس، اجمعوا الأصدقاء، افتحوا نوافذ القلب ، دعوا أشعة البهجة تنير غرفه المظلمة، لنضع عن كواهلنا همومنا إلى حين فاليوم عيد، ترى من سيكون أول القادمين ، من يطرق الأبواب؟
تلبس فرحتنا لباس رسمي، تخنقها ربطة عنق، لا تستطيع الحركة بحرية ، تبدو سمات الجدية على ملامحها، وفي عينيها نظرة لا يمكن تجاهلها، تعبر عن نفسها بإطلاق أعيرة نارية في الهواء، تترجم انفعالاتها الداخلية بالضغط على دوّاسة البنزين ،لتنطلق في السيارة تسابق الأقدار، لا تهتز لإيقاع الحياة، لا تستطيع الرقص ولو حاوَلَت، تخاف الابتسام، ففيه نعومة واستسلام، ما هذا الركام الذي تحمله فرحتنا؟ تعيش في جو يغلب عليه حزن آسر يصعب الفكاك منه، يا لغرابة هذا الكائن ،كم يعشق الحزن ! ولا أدل على ذلك إلا بكاؤنا ساعة الفرح!
للفرح في عالمنا فلسفة يصعب التعبير عنها ، تُوقِعنا بالحرج، وعدم المسؤولية ، وسوء الطالع إذا زادت جرعة المرح عن المعهود، ولكن لنحاول؛ امسحوا الدمع من مقلة حزينة، تلقفوا الأطفال بالأحضان فهم الفرحة ومن أجلهم نبتسم للحياة، لنلعب معهم لعبة الكراسي الموسيقية، كم مضى من وقت ونحن واللهو غرباء؟ فلنعبّر عن فرحتنا بالعيد ، حرروا الطيور من أقفاصها، لترفرف حولنا عازفة موسيقى الحياة، نهتز ، نقفز في الهواء، نصرخ بصوت عال للفرحة.
أذكر فرحتنا ليلة العيد، ونحن نشارك بصنع المعمول، نثرثر ، نضحك، نعلق، نلتف حول أمهاتنا اللاّتي يلقّمن الفرن أقراص العجين، لتخرج شهية ، ذات روائح زكية، يصلنا من بعيد صوت أم كلثوم ” يا ليلة العيد أنستينا”، طقوس نقوم بها، معلنين بدء الفرحة، نخطط لنهار الغد، الجولة المعهودة لزيارة الأقارب، ثم بعض المفرقعات وربما يتسنى لنا مشاهدة أحد أفلام السينما الهندية.
هل تغيرت عاداتنا؟ ربما مظاهر استقباله، قد يرى البعض ضرورة في تغيير الأثاث أو إضافة قطعة أو فناجين قهوة جديدة، ربما بعض نساء المجتمع تستغل المناسبة لاستبدال حليها الذهبية، و شراء الجديد من الملابس لأطفالنا، فالعيد بهجة. ما سر الاقبال الشديد على الأسواق الشعبية و أسواق ” البالة” ؟ هل هي الأسعار وارتفاعها ؟ أم البحث عن العلامات التجارية المشهورة بأقل الأسعار؟ هل يختلف مستوى الفرحة لدى رواد سوق “البالة” عن غيرهم ؟
منذ أيام و الأسواق مكتظة بالناس ، يطيلون السهر حتى ساعات الصباح الأولى، يتجولون بين المحلات التجارية، يبحثون عمّا يناسبهم و يصلح أحوالهم، ليقدمهم بشكل ساحر في سهرة العيد، فالفتيات تنتظر مرور “بائع الخواتم” على أبوابهن، والفتيان يفكرون بالحب و ما تصنعه النظرة الأولى، وراتب شهر حزيران يتآكل في محفظة السيد الوالد، الذي يسير مع أفراد عائلته مفكرا بالأصول والالتزامات وهل يمكن تحقيق التوازن، أم سيعاني العجز حتى الشهر القادم؟
يطلّ علينا العيد، نظراته خجولة، يناظر عجوزا في الستين، يجلس في السوق، يحمل عكازه، ويعرض قفصا للبيع، فيه عصفوري حسون، يفكر في “عيدية” أحفاده. هل تكتمل الفرحة البيضاء يوما ويعم العالم السلام؟ فما زالت رائحة البارود تنتشر في المنطقة، أطفال يعيشون تحت الصفيح في غربتهم، يتألمون من هجمة العدوى، يعيشون ليالي الرعب في انتظار الصباح، يمسكون بأيديهم الصغيرة ذيول اللهفة في انتظار العيد، يتساءلون ببراءة كيف هي ملامحه!
تقدم إلينا بفرحك أيها العيد، ادفع عن الأنفس الأسى، وازرع البسمة على الوجوه، اجمع الأطفال حولك يلعبون ، وزع عليهم الحلوى، وانشر السرور في أرجاء الوطن، وأقم طقوس الفرح.