حمدة الزعبي
في زمن انتشار جائحة كورونا المستجدة،- كوفيد 19 – والتي يمر بها العالم، ونحن – الأردن- جزء منه، درجت لدينا عادات، توارثناها من السلف عبر الأجيال المتعاقبة، ومن المؤكد اننا سنعيد النظر بها بعد الانتهاء بإذن الله من خطر هذا الوباء.
أستذكر، أيام زمان، ما قبل نصف قرن ونيّف، كيف كان الاحتفاء بأعراسنا، وما يسمى بتعليلة العرس، تمتد لأيامٍ. ففي فترة الستينات وما قبلها كانت تعليلة العرس تستمر أسبوعًا، وفي السبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، تقلصت “التعليلة ” إلى ثلاثة أيام، ثم بعد منتصف الثمانينات وتاليًا، اقتصرت على ليلة واحدة.
ففي القرن الحادي والعشرين، ومن عشر سنوات، بدأت عادة “التعليلة” تخبو، بل تلاشت تقريبا، واقتصرت على حفلة العرس في الصالة. ظهرت عادة جديدة وهي التخلي عن “التعليلة”، إذ أصبح صاحب العرس يُدرِج ملاحظة يذيل بها دعوة العرس، بعبارات تقول: ” لا يوجد تعليلة”، و”يرجى عدم اصطحاب الأطفال” خاصة بالحفلات التي تقام في الصالات ليلًا، و”يرجى عدم إطلاق العيارات النارية” ، و”يرجى عدم التصوير بالهواتف الخلوية والكاميرات”.
وبرأيي المتواضع، أن العادات والتقاليد تتغير تبعًا للظروف الذاتية والموضوعية لأفراد المجتمع، فمثلًا أحوال الناس والنمط الإنتاجي والحالة الاقتصادية لأبناء الرمثا ومناطقها، كانت تعتمد على زراعة الحبوب المختلفة من القمح والشعير والعدس والكرسنة إلى جانب البقوليات: الفول والحمص في أراضيها الشاسعة .. وينتظر الفلاحون حصاد الموسم، ليتمكنوا من تنفيذ مشروعاتهم الخاصة مثل: الخطبة لأبنائهم الذكور وحفلات الزواج- الأعراس- وأفراح الختان للأطفال الذكور.
لكن مع مرور الزمن، وارتفاع نسبة النمو السكاني وتحسن الأوضاع الصحية، وازدياد عدد أفراد المجتمع بشكل ملحوظ، إضافة إلى اختلاف الظروف، ودخول منطقتنا دائرة مناخ الشبه الصحراوي، بحيث صار طقسها مشابها لمناطق المفرق الصحرواية المجاورة، وتعرضها لمشاكل التصحر وانخفاض نسبة الهطول المطري السنوي، هذا ناهيك عن انعدام وجود قوانين تحمي تفتت ملكية الأراضي الزراعية، ما شكل اعتداءً صارخًا من جانب المواطنين على أراضيه وتحويل جزء كبير منها إلى العمارات الاسمنتية بامتداد عشوائي وافقي. هذا ما جعل أراضيهم الزراعية تتآكل، وينعكس ذلك سلبًا على مهنة الزراعة لديهم، وبالتالي هجرها إلى ميدان الوظائف الحكومية والتحاق الشباب بالجيش العربي، أضف إلى ذلك ظهور مستثمر باكستاني في الزراعة على اراضِ الرمثا، ليحول الزراعة فيها من زراعة القمح والحبوب الأخرى الى زراعة الخضراوات الدورية.
كما شاعت عادة تأجير الأراضي الزراعية بمبلغ زهيد يتراوح مابين 40 الى 100 دينار للدونم لواحد، يحكم تسعيرة اجرة الأرض، قربها من آبار المياه الارتوازية، ومساحة القطعة، ليتسلم صاحب لأرض المبلغ المتفق عليه سنويا في شهر تشرين الأول.
وهذا الوضع قاد إلى شبه التخلي الكامل عن الزراعة في ظل تراجع دور الدولة بمجال تشجيع المزارعين على الاستمرار بمهنة آبائهم وأجدادهم.
ولا ننسى توجه مدينة الرمثا بحكم موقعها على الحدود الشمالية باعتبارها معبرا الى مهنة التجارة ، كونها منطقة حدودية وترب
وعودةً إلى موضوعنا، وفي ظل انحسار دخل الاسرة، وانتقالهم من ظرف الطفرة الاقتصادية والبحبوحة، وتراجع الوضع المادي للناس مع ارتفاع الأسعار وفرض الدولة لضرائب جديدة على المواطنين، وخصخصة بعض المؤسسات والمصانع والشركات الهامة، ما ألزمهم بالسعي الى تخفيف العبء المادي عن أنفسهم وبدئهم في التأسيس لعادات جديدة والتأقلم معها، بهدف التخفيف من وطأة المصاريف والكلف المالية عليهم.
وبذلك بدأنا نرى، انحسار عادة شراء الذهب للعروس ما يسمى بـ”التلبيسة” قبل الزواج، والذي وصل قيمته في إحدى الفترات – الثمانينات- إلى كيلو ذهب – لكننا الآن ومن عقدين من الزمن وبعد إرتفاع ثمن الذهب، بدأ الناس يشعرون مع بعضهم البعض، ويراعون ظرف العريس ويتفهمونه أكثر، اذ ان العروسين سيتحملان مصاريف ومتاعب بعد زواجهما ، هما بغنى عنها. صاروا يكتفون بكتابة المهر للعروس في عقد الزوج، فيحفظ حقها به. وهذه العادة الإيجابية عمت أوساطنا وبدأ الناس يقتنعون بها من باب “يسّر ولا تعسّر” على شبابنا.
كما أن الكثير من الناس بدأ يقتنع بعدم ضرورة طباعة بطاقات الدعوة للاحتفالات الاسرية مثل حفلات عقد القران- الخطبة- أو حفلات التخريج، فيكتفون بالدعوة على الهاتف-الواتساب-، أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا لعبت وسائل التكنولوجيا الحديثة دورا ضئيلا في التخفيف من عبء بعض متطلبات الحياة المادية.