محمد كعوش
عالبال بعدك يا سهل الكرامة
محمد كعوش
قبل ايام قليلة وقفت على مشارف الكرامة. ساعة واحدة كانت كافية لأنتقل من لحظة الحاضر الى زمن استغاثة الدم الذي يحمل شيئا من الماضي القريب القادر على فتح أبواب النسيان، والبحث عن فارس الندى في حكاية الانتصار.
امام رهبة المشهد في ذكراه، أخذني الحنين الى ما مضى، حاولت اقتناص الكلمات لكتابة نص الروح حول فصول الحكاية التي شهدتها هذه البقعة المفتوحة على الأفق. كان الطقس باردا، فقد تمهل الربيع قليلا في الاعلان عن فتنة المشهد، وعن بسط عباءته المطرزة بالوان الطبيعة على هذه الأرض المخضبة بدم الشهداء الذين لم استطع التحرر من الأحساس بوجودهم في عبق الدحنون ولون ألأغصان المزهرة ورائحة زهر البرتقال والعشب الذي تداعبه النسمة التي لها ضجيج همس الغائبين.
في المشهد كل شيء هادئ، لا صوت ولا ضوء ولا ضوضاء ولا قرقعة السلاح، ابحث عن لون بلون الدم في لحظة حنين تفصل بين الصمت واللغة والفكرة وبين ضجيج القلب وشفافية الذاكرة التي تؤكد أننا كنا قادرين على تحقيق النصر في ساحة الكرامة وما زلنا، لأن الشهيد الحي ما زال على عهده يعلن استعداده للتضحية بكل ما ملك من طاقة وامكانيات وسلاح ودم.
لذلك لا نستطيع عزل الحاضر عن سياق المجد الذي تحقق يوم الكرامة، عندما حققنا الانتصار العربي الحاسم الأول بعد هزيمة حزيران، وهو الانتصار الذي استنهض العرب واعاد للأمة ثقتها بنفسها وبقدراتها. كان السهل محاصرا من الوريد الى الوريد، فاستجاب الجيش العربي لاستغاثة الدم الذي امتزج، واندفعت دباباته رأس رمح قاتل بغطاء المدفعية التي انتشرت مرابضها في السفوح المشرفة على ارض الملحمة فكان النصر وكانت هزيمة الخرافة ومقولة الجيش الذي لا يهزم، وبالتالي رسمت هذه الملحمة حدا بين تاريخين.
وبهذه المناسبة، واعني الحديث عن الكرامة، والانتصار الأول على الجيش الأسرئيلي، ارى من الضروري ان اشير الى الكرامة في المبادرة الجريئة والموقف الشجاع المشرف للدكتورة ريما خلف الأمينة العامة لمنظمة الأسكوا، التي قدمت استقالتها احتجاجا على موقف الأمين العام للامم المتحدة الذي استجاب للضغوط الأسرائيلية – الأميركية وامر بسحب التقرير الذي يدين ممارسات اسرائيل العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، والذي يؤكد ان اسرائيل دولة عنصرية.
الحقيقة أن التاريخ يسخر من هذا المنعطف الأقليمي الدولي الذي غيب العدالة وحق تقرير مصير الشعوب، ويدفعنا بقوة نحو الاغتراب والانقسام والانفصام واتبّاع سياسة الطوائف، والذي يعمل على تخليص الحاضر من الدولة العصرية المعاصرة وأستبدالها بانظمة العقائد الدينية بما ينسجم مع الدعوة الأسرائيلية القائلة بيهودية الدولة، ونحن نعرف أن الفكرة الصهيونية ولدت في الغرب ووصلتنا من الغرب لخدمة الغرب، لذلك يضعها الغرب فوق القانون والشرعية الدولية، ويمنع ادانتها او مجرد اتهامها.
بعد كل هذه الحروب، وبعد سلسلة معاهدات السلام العبثية، تعلن اسرائيل انها ترفض حل الدولتين، دون ان تعلن التفاصيل، و تجيب على الاسئلة الكبيرة: هل تريد ضم الأرض والشعب أم هل تريد الأرض بلا شعب ؟
لا اعتقد انها تملك الاجابة، بل لا تملك الشجاعة للاجابة، لأن ذلك يقودها الى المأزق الوجودي الذي يقلقها. ومن يريد ان يعرف كيف يفكر قادة اسرائيل يجب أن يقرأ التاريخ كي يفهم الصهيونية على حقيقتها، وهنا يحضرني ما كتبه الشاعر الراحل محمود درويش قبل عقود من الزمن، وهو الذي فهم الصهيونية جيدا، قال ما معناه ان قادة اسرائيل :» مشغولون في البحث عن الخلافات المذهبية في التاريخ الاسلامي والعربي.. لأن في ذلك يكمن علاج القلق الأسرائيلي وهو نقل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى حرب اهلية عربية لا كاميرا فيها ولا شاهد «.. وهذا هو المشهد العربي اليوم !!