رمزي الغزوي
ما زال يبهجني مشهدُ بعض العائلات الصغيرة حين تتسوّق في المولات الكبرى. الأب يدفع العربة الضخمة بعد أن يضع أطفاله وكأنهم في مدينة ألعاب، فيما تمشي الأم الهوينى، وتنتقي بدقة أغراضها المكتوبة على قائمة معدة سلفاً في هاتفها.
هذا المشهد ربما يضفي بعض التبسم الصغير على الوجوم الكبير الذي تلمحه على أوجه المتسوقين من الرجال وهم يحاولون عبثاً أن يملأوا عرباتهم التي لا تمتلئ.
فأن تضع أبناءك في العربة فهذا تكتيك ذكي وظريف يغطي على فداحة الفراغ الكبير في عربة التسوق الضخمة. فالمولات من الذكاء بمكان أنها لا تترك شيئاً دون قصد استهلاكي.
فليس صدفة أن تكون عرباتها بهذه الضخامة الغريبة؛ لتشعرك دوما بالخجل حين تضيع أغراضك القليلة في هذا الشيء الضخم؛ فتكون ردة فعلك اللإرادية أن تناول أغراضاً لست بحاجة لها لسد هذا الفراغ.
لكن ليس هذا ما يلفتني فقط، بل ثم ظاهرة أرصدها منذ زمن وهي العربات المتخمة المتروكة عند عتبات المحاسبة. وحينما استفسرت من شاب عامل ذات مرة؛ ابتسم بمرارة، وقال بأنه وفي نهاية كل يوم، يكون علينا أن نعيد محتويات عشرات من العربات إلى آماكنها في الأرفف، ونجد بعضها تالفاً، كالجامبري أو السمك، لأن أناساً جاؤوا يبدّدون وقتهم بشراء وهمي. فضحكت في نفسي هامساً: بل قل هذه من ضرائب ثقافة إستهلاكية زرعتها فينا المولات.
فكيف لمن قضى ساعة أو ساعتين وهو يحشو عربته بما لذَّ وطاب، ويدفعها بين الرفوف أن يتركها دون أن يرف له جفن؟!. وكيف لمن وقف أمام ثلاجات اللحوم، وانتقى خروفاً بلدياً كاملاً مع حرصه على وجود (اللية)، وطلب من الجزار تقطيعه قطعاً كبيرة (خرج منسف)، أن يترك عربته ويمضي؟!. أو كيف لمن طلب رطلاً من الجمبري (الجامبو) طمعاً بفسفرة الجسم، أن يتركها ويمضي؟!.
لولا حزني على عمال يتوجب عليهم أن يعيدوا محتويات العربات إلى أماكنها، لولا هذا؛ لشمت ضاحكاً بالمولات وعقليتها، فهي التي زرعت فينا شهوة الشراء، وقرنتها بالمتعة والتمتع، وتضييع الوقت، وهي التي ما زالت تتآمر بكل عروضها وإستعراضاتها وإعلاناتها على جيب المستهلك، حتى صنعت منه كائنا إستهلاكياً، لا همَّ له إلا أن يملأ عربة، حتى ولو تركها منبوذة قرب بوابة الكاشير: إنها عربات إطفاء لشهوة الشراء.