فارس الحباشنة
من بداية الازمة السورية .. واي قبل حوالي عشرة اعوام اتابع نشرات اخبار بي بي سي العربية الاذاعية والتلفزيونية .. وما شدني اكثر لمتابعة بي بي سي اهتمامي بالخبر السوري ، وتحديدا الرسالة الاخبارية لعساف عبود مراسل بي بي سي في دمشق .
عقد واكثر من عمر الازمة السورية ، تسمع رسالة اعلامية مهنية وحرفية وازنة ، وموضوعية . ولا تزيد مدة اي رسالة اخبارية مهما كان الظرف الطارئ والخبر العاجل عن دقيقتين او ثلاث دقائق .
و لم يترك الزميل غسان عبود مجالا لكي ينتقد او يسجل اعتراضا مهنيا وسياسيا على رسالته الاخبارية من السلطة في دمشق او المعارضة السورية في الداخل والخارج ، وفرقاء الازمة السورية من مقاتلين وسياسيين مدنيين .
هذا الرجل اعلامي متميز ، وتجربة الحرب السورية تستحق ان تدرس في كليات الاعلام ومراكز التدريب الاعلامي . والاعلام في اوقات الحروب والازمات والصراعات يعني الكثير والكثير بان تكون مهنيا ومحترفا بالمهنية ، وان تنتج وتنسج رواية محادية مهنيا وسياسيا .
ذات خبر غسان عبود على بي بي سي تسمعه بتهويل وتناقضات واسفاف وتشويش على محطات عربية اخرى ، ولا يسع هنا الكشف عن هويتها . ومحطات اعلامية تشتم من اول كلمة بالخبر انحيازنها وميولها ، واهواء ومزاج مطبخ التحرير والغرف الماورائية التي تتحكم في انتاج تحرير النشرة والخبر والتقارير .
وما يلفت الانتباه لغة عبود الصحفية والاخبارية ..دروس في النحو والصرف ، وبلاغة القول والجملة ، بالاختصار والوضوح والايجاز . ومن بداية الازمة السورية الاعلام العربي الرسمي والمستقل انفضح امره وتعرت عورته الوثقى ، وخسر معركة الثقة والمصداقية الاخبارية والاعلامية ، وسمعنا عن اخبار وتقارير وصور وفيديوهات مفبركة لاحداث ومظاهرات وثورة وحراك شعبي في حمص ودرعا وحلب وحماة ، وريف دمشق.
و فيديوهات لمظاهرات واحتجاجات شعبية مسجلة في استديوهات مكيفة ، ومركب ومدبلج عليها اصوات لمحتجين ومتظاهرين .. وقد انفضح امرها ، عندما نشرت فضائية عربية مظاهرة صيفية لمحتجين يرتدون « فروا» وبالطوهات وجاكيتات شتوية ، وانفاس البرد تخرج من افواهم .
واكرر ان تكون مهنيا في وقت ازمة حرب ، وتبث من دمشق ، وتقف على مسافة واحدة ومفترق من جميع الفرقاء ، فهذه عبقرية فذة صحفيا وتستحق الاحترام والتقدير والكتابة عنها .
و قدم غسان عبود رسالة الاعلام المهني في وقت تحول به الاعلام الى متهم وطرف وصانع ازمات ومشوش ، وادة من ادوات الحرب وصناعة الفتنة.. ال بي بي سي حافظت في مسيرتها على تقاليد الاعلام المهني والحيادي والمصداقية ، والاخير الاهم كثيرا في ادبيات ال بي بي سي الاعلامية ، ولكن عبود نموذج وتجربة فارقة ولافتة ويستحق التوقف والتامل .
ظاهرة الزميل عبود الاجدر اول من يتعلمها ويستفيد ويتاثر بها مراسلو الفضائيات الميدانيين .والاعلام اليوم محاط اكثر من مليون سؤال استفهام واستنكار حول المهنية والمصداقية .. يتعلموا كيف تنتج رواية اعلامية موضوعية وحيادية ، وكيف تكسب مصداقية وثقة الناس « الراي العام « .. الازمة السورية فضحت وسائل اعلام كثيرة وعرت صدقيتها وخسرت كثير من جمورها ومتابعيها .
انا متابع لبي بي سي منذ الطفولة ، وبلا شك ان نموذج عساف عبود في تغطية الحرب والازمة السورية زاد من اعجابي ومتابعتي لبي بي سي .