د. عبير الرحباني
وتستمر مسيرة الاردن في البناء والعطاء.. وتتوالى مسيرة الخير والعطاء بتسلم الراية الهاشمية، ملك هاشمي عشق الوطن وأحب ابناءه، ونذر نفسه ان يكون خيرُ وارث لأكرم موروث. ليعلّي البناء ويصون الانجاز ويقيم صروحاً شامخة تنطق على الدوام بعزيمة صادقة، لا تعرف حدوداً للعطاء ولا تقف عند مجال من مجالات الحياة.
فمنذ ان تولى جلالة الملك عبدالله الثاني أبن الحسين سلطاته الدستورية وتسلم الراية الهاشمية الخفاقة من ملك عظيم، بدأت رحلة التحدي ومواصلة البناء… وبقبس من نور الأباء والأجداد المفطور على الحكمة والعقلانية وبُعد النظر والمستند الى روح العقيدة ومبادىء الرسالة الخالدة وضع جلالة الملك عبدالله الثاني استراتيجية شاملة على الصعد كافة.. وحدد الأهداف القريبة والبعيدة، فكان صاحب نظرة شمولية تأخذ بعين الإعتبار المستجدات والتغيرات.. وتعدّ للحاضر وفق معطيات قادرة على النهوض والمواظبة.. وترسم المستقبل على أكمل ما ترنو اليه الاجيال وتطمح بالوصول اليه. فكان النموذج الأسمى في الحرية والديمقراطية والشورى والحق، وكان النموذج الأسمى في تطوير مهنة الصحافة والإعلام، حيث أولى جلالته جُل اهتمامه بالإعلام الأردني في مختلف الجوانب، حيث شهد الإعلام الاردني في عهده نقلة نوعية من حيث تطوير الإعلام وفتح المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية الخاصة.. لإيمانه بضرورية التعددية والتنوع في المجال الاعلامي.
ولا شك بان الثورة الحاصلة في وسائل الإعلام اليوم، والتي أدخلتنا بطريقة او بأخرى ، شئنا أم أبينا الى عالم الانترنت، احدثت تغييرات كثيرة.. لم تقتصر على الوسيلة الإعلامية فحسب، بل على الرسالة الإعلامية وعلى مرسل الرسالة وعلى مستقبل تلك الرسالة الاعلامية، بخاصة وان الاعلام عموماً قد مر بمراحل وتطورات عدة، فمن اعلام تقليدي الى اعلام الكتروني الى اعلام رقمي- الكتروني الى اعلام جديد نشهده اليوم والذي يعد الفيسبوك والهواتف الذكية من أبرز اشكاله، بحيث اثر بشكل مباشر وكبير على معايير الاعلام والمهنة الصحافية. كما ان اعلامنا الاردني اصبح يواجه تحديات الاعلام الخارجي الذي يهدف الى الاضرار بأمن الدولة واستقرارها وامنها من خلال المواقع الالكترونية ووسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي.
كما ان صحافتنا الورقية باتت تواجه تحديات الإعلام الجديد الذي انبثق عنه ( صحافة الموبايل)…وما خلفه من فوضى كبيرة بحيث اصبح منبراً وصوتاً لمن لا صوت له من خلال مواقع التواصل.
ومن هنا وانطلاقاً من إيمان جلالة الملك عبدالله الثاني بضرورة التركيز والاهتمام على الاعلام الاردني بخاصة في ظل التطورات التكنولوجية الرقمية، فقد ركز جلالة الملك جل اهتمامه على هذا القطاع الهام والذي يعتبر الأكثر التصاقاً بحياة الناس، بحيث حذر جلالته من اغتيال الشخصية وبأن الفتنة خط احمر.
ولا شك بان الاعلام الاردني واجه وما يزال يواجه تحديات ظاهرة الارهاب ومخاطره التي تمثل تحدياً محلياً واقليمياً ودولياً.. وكيفية تصدي وسائل الاعلام الاردني لهذه الظاهرة.. وكيفية التصدي للمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تمارس ادواراً تحريضية مدمرة تهدف الى التأثير في عقول الشباب وتهديد أمن المجتمع.. وكيفية التصدي للمعلومات الهدامة التي تبرز على شبكة الانترنت ومعالجتها من خلال التشريعات الكفيلة باغلاق مثل هذه المواقع التي تروج للعنف وللافكار المتطرفة من خلال التوجيهات الملكية السامية، حيث سلط جلالته الضوء على البعد الإعلامي وضرورة تفعيل الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام المختلفة في مواجهة خطر الارهاب.
وقد جاءت الرؤية الملكية السامية للإعلام حيث لمسنا من خلالها اهتمام جلالته الكبير في الإعلام الاردني كون الإعلام مرآة المجتمع والمؤثر على الرأي العام، وكونه أداة من ادوات القضاء على الفساد والشائعات والفتن، وكون الإعلام يلعب دوراً هاماً في تعزيز الديمقراطية وغيرها من الامور الاخرى.
لذا جاءت الرؤية الملكية السامية للإعلام لتطوير رؤية جديدة للإعلام الأردني تأخذ بعين الإعتبار روح العصر وتخدم أهداف الدولة الأردنية، وتعبر عن ضمير الوطن وهويته بفئاته وأطيافه كافة، وتعكس إرادته وتطلعاته وتتيح لوسائل الإعلام الأردنية القدرة على التنافس مع وسائل الإعلام الأخرى.. وذلك من خلال بناء اعلام الدولة الحديثة المستند على التعددية واحترام الرأي والرأي الاخر، في ظل الحرية المسؤولة، والتركيز على آداء اعلامي يقوم على المهنية والتميز والابداع في مجالي الصحافة والاعلام.
وكون الاعلام من اهم مدخلات ومخرجات العملية الديمقراطية في وقت واحد، فقد ركز جلالة الملك على “المضمون” اي مضمون الرسالة الاعلامية المقدمة عبر وسائل الاعلام المختلفة، والذي يعد مقياس التقدم الديمقراطية.
كما ركزت الرؤية الملكية السامية للاعلام على إستقلالية مؤسسات الإعلام وإدارتها، وتمكينها من لعب دورها الرقابي في المجتمع في مُناخ من الحرية المسؤولة،والإستقلالية، والارتقاء بالبُعد المهني، والعمل بمهينة عالية، بخاصة لما يشهده إعلامنا اليوم من ثورة رقيمة وتدفق معلوماتي لا بد من حصره وتحديده واخراج الأنسب والأفضل للمتلقي، بحيث ادرك جلالته بان الاردن بحاجة الى اعلام مهني محترف والى حرية سقفها السماء.
واتوقف هنا عند هذه الجملة، فما قصده جلالة الملك من عبارة “حرية سقفها السماء” اي “الحرية المسؤولة” وضمن اطار من المسؤولية، من خلال الرقابة الذاتية سواء أكانت من الصحافيين والاعلاميين، ام من المواطنين انفسهم، بخاصة وان المواطن تحول الى مواطن صحافي.
كما ركز جلالة الملك على ترسيخ مبدأ النزاهة والشفافية لتسريع العملية الديمقراطية وازالة العثرات التي تعيق تقدمها وتطورها الى الامام. وعندما نتحدث عن الشفافية في الاعلام فنحن نتحدث هنا عن مبدأ الاخلاص والصدق والامانة والدقة والمكاشفة ايضا والتي ركز عليها جلالته لإعادة الثقة ما بين المواطن ووسائل الاعلام الرسمية تجاه قضايا الفساد بكل اشكالها والذي ينبغي على الإعلام ان يلعب الدور الفعال في نشرها بكل شفافية للمجتمع.. والشفافية التي ركز عليها جلالة الملك في هي المكاشفة والوضوح لتحقيق الاصلاح الشامل في المجتمع والذي ينبغي ان يكون للإعلام الدور الأبرز في اصلاحه .
كما ركزت الرؤية الملكية للاعلام على تطوير وتوجيه العمل المهني من خلال التدريب الجاد والفعال والمميز، والتأهيل والتخصص، والاخذ بالمتغيرات التقنية والفنية التي طرأت على الوسائل الاعلامية بخاصة الاهتمام بــ “الاعلام الرقمي”.
كما ركزت الرؤية المليكة للاعلام على تطوير مواثيق الشرف الاعلامي ومراجعة القوانين المتعلقة بالاعلام بخاصة في ظل الفوضى التي نشهدها وازدياد عدد الجرائم الالكترونية عبر الإعلام الجديد، الأمر الذي يتطلب تفعيل وتطبيق قانون الجرائم الالكترونية.
كما ان جلالة الملك ابدى اهتماماً كبيراً بالإعلام الحر المهني بعيداً عن اختراق الخصوصيات التي يعتبرها الكثيرون انها تأتي ضمن الحرية الاعلامية.
كما ان جلالته يدرك تماماً بان الحكومة من الضروري ان يكون لها منابر اعلامية بإعتبارها لاعباً اساسياً على المسرح السياسي والاعلامي، فأبدى توجيهاته السامية لإحداث التغييرات المطلوبة في قوانين المطبوعات والنشر حتى تتلائم مع روح العصر والمرحلة التي من الضروري ان تسمح بتعدد قنوات وسائل الاعلام لتصبح عامة وخاصة، وبالتالي لتشكل الاعلام الوطني الاردني القادر على المنافسة.
كما ركز جلالة الملك على إستثمار الاعلام والتركيز والاهتمام بالاعلام الداعم للاقتصاد الوطني، بحيث يفتقد إعلامنا الى اعلام يدعم الاقتصاد الوطني، لذا ابدى جلالة الملك اهتمامه بهذا الجانب من خلال برامج تهدف لأهمية الإقتصاد الأردني وما هيته، ونشر الوعي والثقافة الاقتصادية بين افراد المجتمع عبر وسائل اعلامية قادرة على ايصال الرسالة الاعلامية المتعلقة بالجانب الاقتصادي الوطني.
وكون القضية الإعلامية لم تأت بعد بتصور واضح لمسيرة الإعلام الوطني في الأردن فهي ما تزال تثير جدلاً واسعاً في الاوساط السياسية والإعلامية. كما اننا شاهدنا مؤخرأً اه تماماً كبيراً بالتربية الاعلامية في ظل ما نشهده اليوم من ثورة رقمية، لفهم وادراك الاتصال والتواصل والاستخدام عبر وسائل الإعلام المختلفة.
أما بالنسبة لإدارة الازمات الاعلامية فان الشائعات والفتن من القضايا الهامة التي ركز عليها جلالة الملك، بحيث ان تفشيها عبر الوسائل الاعلامية والتكنولوجية حولتها الى الشارع الاردني من ثم حولتها فيما بعد الى ازمة يصعب حلها بعد ان تكون قد أثرت على عقول الناس وبخاصة اصحاب العقول الضعيفة وغير المدركة للاحداث من حولها.. كما أن اننا شهدنا ومنذ جائحة كورونا نجاحاً مميزاً لخلية أزمة كورونا من الناحية الاعلامية..
وبالنسبة لمبدأ (حق الحصول الى المعلومة) والاطلاع عليها فالاردن من أوائل الدول العربية التي أصدرت قانون ( ضمان الحق في الحصول على المعلومات) .
ويبقى القول انه على الرغم من التحديات والمعيقات التي تواجه اعلامنا الأردني.. إلا ان الاردن استطاع ان يبقى صامداً في وجه كل من تسول له نفسه تشويه صورة اعلامنا الاردني، والتاثير على الرأي العام المحلي والشارع الاردني بصورة سلبية، سواء اكان هذا التأثير من جهات داخلية ام خارجية، وذلك بفضل جلالة الملك عبدالله الثاني وقيادته الرشيدة وسعة صدر القيادة الحكيمة، وايضاً بفضل وعي المواطن الاردني في الحفاظ الى امن واستقرار الاردن رغم كل الشائعات والفتن التي يتم تدولها عبر وسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، ويعود الفضل ايضاً لمهنية مؤسسات الدولة المهنية العسكرية والامنية.
فسر يا أبا الحسين رعاك الله، والأردنيون معك نمضي خلف قيادتنا الهاشمية الحكيمة مجددين العهد ان نبقى الأمناء على الرسالة الأوفياء للوطن والراية.
حفظك الله ذُخراً وسنداً للوطن والأمة.