جهاد المومني
حتى عندما تفعل الحكومة امراً مرضياً او يفترض ان يكون مرضياً تجابه بموجة تشكيك ظالمة يستهلها اصحابها بافتراض وجود مؤامرة وراء اي قرار مهما بلغ من الايجابية والشعبية، واذا تعذر الوصول الى ذروة التشكيك يختمونها بحكم قاطع بعدم الجدوى من مثل هذه القرارات على اعتبار ان السلبيات فقط هي ما يجب ان تلهج بها الالسن وتغص بها منصات التواصل الاجتماعي، لكن ما حدث في قصة الوزيرين مبيضين والتلهوني وكلاهما شخصية محترمة وناجحة في مجالها، فأمر يثير الغرابة فعلاً، فقد تفتق عقل التشكيك بأن ما جرى استهداف لهذين الوزيرين على وجه الخصوص وثمة ادلة على ذلك، وذهبت عقلية المؤامرة هذه المرة الى تصور مكيدة مدبرة وقع فيها الوزيران بهدف اقالتهما، ودونما ادنى تفكير في مصداقية القصة تجد الرواية الاخرى طريقها الى عقول مستعدة لتصديق اي شيء واياً كان ما دام يضع الحكومة في خانة الاتهام ورئيسها بالتآمر لاستهداف وزرائه، ولا احد من المصغين باهتمام واعجاب بشجاعة خطباء الانترنت، يتوقف عند حقيقة واضحة هي ان رئيس الحكومة يستطيع دونما ادنى عناء طلب تعديل وزاري واقالة الوزيرين لو رغب في ذلك، فلماذا يحتاج الى هذا السيناريو العقيم لايجاد مبرر الاقالة على هذا النحو الصارخ او طلب الاستقالة كما تفيد لغة العرف الاردني التقليدي في مثل هذه الحالات، فالوزراء عندنا لا يقالون وانما يستقيلون..
ترى كيف كانت ستبدو صورة الحكومة ورئيسها عند الناس لو تناقلت منصات التواصل الاجتماعي قصة العزومة ولم تتخذ الحكومة قرارها بحق وزيرين خالفا امر الدفاع بالانضمام الى مجموعة من المدعوين زاد عددهم عن ثمانية يتشاركون طاولة واحدة (كما تفيد المخالفة المحررة بحق المطعم)، ثم مخالفة مدونة السلوك التي لا تسمح للوزراء ومن هم في موقع المسؤولية التانفيذية قبول دعوة من متعهد قد تكون له ارتباطات عمل مع الحكومة؟ هناك مواثيق ضمنية يتفق عليها كل من يتولى المسؤولية في السلطة التنفيذية او القضائية وكبار قيادات المؤسسة الامنية، اذا يعتذرون عن المشاركة في الدعوات والولائم الشخصية خاصة عندما يكون اصحابها من المتعهدين والتجار ورجال الاعمال وآخرين قد تكون لهم علاقات تجارية او مصالح معينة مع هذه الجهات الرسمية فكيف اذا حدث ذلك في زمن اوامر الدفاع ومنع التجمعات والولائم، ورغم ثقتنا التامة بحسن نوايا الوزيرين وبراءتهما من اية شبهات وقناعتنا المطلقة انهما من خيرة الوزراء في الحكومات المتعاقبة، الا انهما وقعا ضحية الجائحة اللعينة التي لا تكتفي بخطف الارواح وقتل الاف الاردنيين واصابة مئات الالاف منهم، وانما تعطل حياتنا الاجتماعية وتفرض علينا التزامات قاسية وتضع كل واحد في عزلة عن محيطه ومحبيه اذا ما فرضنا شروط الحماية على انفسنا ومارسنا حقنا في الوقاية من العدوى، فاليوم تغيرت اشكال التهاني والتعازي وتقديم الواجبات الاجتماعية على اختلافها، ولم نعد نلتقي الا عند الضرورة القصوى، فهل كانت تلبية دعوة المتعهد من الضروريات ؟ لا اعتقد ذلك، لكنني لا اشك ولو للحظة ان كل من الوزيرين المبيضين والتلهوني وقعا في مصيدة الحرج، واحسب انه ما من اردني الا ووقع فيها خلال سنة المعاناة التي نمر بها ولا نعرف الى اين ستاخذنا، وكل حسب دائرته الاجتماعية او الوظيفية. اما قرار رئيس الحكومة د.بشر الخصاونه فمن الطبيعي ان يكون صعباً بوقعه على الوزيرين ومحبيهما وانا منهم، لكن الرئيس لا يستطيع ان يجازف بمخالفة من هذا المستوى والحجم بينما الدولة كلها تعمل من اجل هدف واحد هذه الايام وهو ضمان التباعد كحل وحيد وسحري لمواجهة وباء الكورونا الآخذ بالانتشار، ومن سوء الطالع بالنسبة للوزيرين انه لم يمض الا ايام معدودات على قرارات التشدد في تنفيذ اوامر الدفاع المرتكزة اساساً على التباعد وارتداء الكمامة ومنع الاحتفالات والمناسبات.
قرار الرئيس جوبه بالتشكيك، وبعض المشككين ذهبوا الى تفسيرات مؤلمة للقرار ولا تنم الا عن عقلية منغلقة وظيفتها صناعة الاشاعة، لكن ماذا لو تجاهل الرئيس المخالفة وغض النظر عنها، هل كانت ماكنة التشكيك ستعفي الحكومة ورئيسها بالدرجة الاولى من غلطة بهذا المستوى حماية لوزرائه من المحاسبة، هلى كان الاعلام الخفي سيقف مدافعاً عن الوزيرين ويبرر لهما حضور دعوة ارتكبت فيها مخالفة جسيمة وانتهاك صريح لامر الدفاع؟
هذا هو السؤال الذي يقودنا الى اعتقاد جازم بأن شوزفرينيا لعينة وأسوأ من فيروس كوفيد19 تطارد الدولة بالتشكيك والاشاعة وان مرضاها يخوضون مبارزة بينهم على من هو اشد بأساً في حصد اصوات المعجبين بقدرته على جعل الجميل قبيحاً والقبيح جميلاً.