محمد كعوش
قدر هذه العائلة أن تعيش حياتها السياسية والفكرية الملتزمة ما يشبه التراجيديا الأغريقية في نهاياتها ، هي حياة غير عادية ولا تقليدية فيها من الحزن أكثر من الفرح ومن التوتر والتحدي العاصف اكثر من الهدوء ، وفترات النفي والتشرد والأعتقال اطول وأوسع من فضاءات الحرية وعشق الحياة.
حاول الدكتور عمر الرزاز أن يسلك اتجاها مختلفا والأكتفاء بالتحصيل العلمي والعمل بعيدا عن السياسة ودرب الآلآم ، الا أن السياسة لاحقته واختطفته في مرحلة هي الأصعب ، رغم كل ذلك اشعر بشيء من التفاؤل لأيماني بقدرة وذكاء وخبرة الرئيس المكلف ، خصوصا اذا اخذ فرصته كاملة وملك حرية الأختيار، ووجد الدعم والعون المطلوب ، واميل الى الأعتقاد بان ذلك سيتحقق لأنه وصل الى الدوار الرابع على وقع اعتصامات ومسيرات وهتافات الحراك الشعبي ، واتمنى ان نكون قد استفدنا من التجربة واخذنا الدروس والعبر بشكل أوضح ، حيث لا مجال للتردد أو الفشل.
وبمناسبة الحديث عن المسيرات والاعتصامات اريد ان اسجّل بعض الملاحظات حول الحراك الشعبي واسلوب التعامل معه ، بحيث لا يختلف اثنان حول سلمية مسيرات الأحتجاج وانضباطها ، وتجنب العنف والفوضى ، كما ان رجال الأمن قاموا بواجبهم على أكمل وجه ، وهنا لا نريد ان نعيد ونكرر الحديث حول هذا المشهد الحضاري غير المسبوق.
الحراك كشف امرين: الأول ، هو ترهّل الأحزاب وفشلها في قيادة الحراك الشعبي العفوي ، وهو الفراغ الذي ملأته النقابات ، التي عادت للعب الدور السياسي والأجتماعي للأحزاب المرخصة رسميا ، وما أكثرها في الأردن ( كثرة وقلة بركة ) ، ربما بسبب عجز وفشل هذه الأحزاب في استقطاب قاعدة شعبية واسعة خصوصا في الأوساط الشبابية.
الأمر الثاني: هو غياب الاعلام الرسمي عن الساحة في عز الأزمة ، وانشغال الشاشة الوطنية بهموم المطبخ والمسلسلات الرمضانية ، رغم دعوة الملك عبدالله الثاني الى حوار وطني بهدف ايجاد حلول مقبولة ومعقولة للأزمة ومعالجتها وتجاوزها ، بما فيه مصلحة الأردن والمواطن ، خصوصا ان المنطقة كلها تمر في مرحلة مصيرية تاريخية تجري فيها محاولات لأعادة صياغة مستقبل المنطقة.
لذلك كان من واجب الاعلام الرسمي عدم اخلاء الساحة للاعلام العربي والغربي لتغطية ونقل اخبار هذا الحراك على هواها وحسب رؤيتها واجنداتها ،كان عليه ان يقوم بدوره الوطني الحقيقي وتخصيص برامج حوارية وندوات على مدار الساعة بمشاركة كل الأطياف السياسية الأردنية التي يهمها وطنها وامنه واستقراره وازدهاره ، كما هي حريصة على مصلحة وسلامة المواطن وكرامته.
اليوم وقد انفض المعتصمون وانتهت المسيرات الكل بانتظار قرارات ومبادرات واجراءات اصلاحية جريئة من الرئيس المكلف الدكتور عمر الرزاز ، وهي بداية صعبة لا يحسده عليها احد.. باعتبار اننا نقف على عتبة مرحلة جديدة ، وانا على يقين بان الدكتور الرزاز ، رغم حجم التحديات ، سيبذل كل ما في وسعه ، ويوظّف كل قدراته وخبراته ومؤهلاته لانجاز مهماته الصعبة الشاقة ، لذلك لا نريد ان نحبطه أو « نسوّدها بوجهه».
ولكن هناك حقيقة لا يمكن أن تجاهلها او تجاوزها وهي ان الرئيس المكلف سيجد في ادراجه وعلى مكتبه كومة من الملفات المكدسة في طياتها أزمات مرحّلة من الحكومات السابقة ، ومن عناوين هذه الملفات مكافحة الفساد والفقر والبطالة والغلاء والأصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحقن الاعلام بجرعة من الجرأة لوجود منافسة غير متكافئة مع الأعلام الخارجي ووسائل التواصل الأجتماعي، وتوزيع الثروة بعدالة لأنصاف المناطق الأقل حظا، وجذب استثمارات جديدة لأيجاد فرص عمل للشباب من الخريجين الجدد، أي ان حكومته ستغرق في مسلسل لا ينتهي من التحديات والمشكلات المزمنة التي ظلت بلا حلول لعقود مضت.
الحقيقة أن الرئيس الجديد يحتاج الى دعم رسمي وشعبي، ومن القطاعين العام والخاص لمواجهة هذا الكم من التحديات الداخلية، اضافة الى التحديات الخارجية الأخطر، وبالتالي تحقيق بعض الأنجازات للعبور الى المستقبل الأفضل، والا ستكون «تجربة مرة» اخرى تضاف الى السيرة الذاتية للدكتور عمر الرزاز.