د.حسام العتوم
نداء حديث وجهه رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير فلاديميروفيج بوتين لحكومة بلاده لحث و تشجيع المواطنين الروس بزيادة عدد الانجاب من طفل الى اثنين على الأقل و حتى أكثر للمحافظة على الهوية العرقية الروسية . و المعروف هو أن عدد سكان روسيا وصل الى 150 مليون نسمة و هو قليل بالمقارنة مع مساحة روسيا الجغرافية البالغة أكثر من 18 مليون كيلومتر مربع ، و هي الأولى عالميا.
و توجه الرئيس بوتين لاعلاقة له بالحرب الأوكرانية و سقوط اعداد كبيرة من العسكريين و المدنيين الروس كما يشاع في الغرب الأمريكي ، و المعروف بأن عدد قتلى و شهداء روسيا في الحرب الأخيرة بالمقارنة مع مثلهم الأوكران الذين يمثلون العاصمة ” كييف ” و نظامها السياسي قدره رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكا في مقابلة أجرتها معه الصحافة الأوكرانية مؤخرا ب 1- 8 . ومنذ بدء العملية الروسية الخاصة التحريرية الإستباقية الدفاعية لم تضع هدفا لها استهداف المواطنين الأوكران بحكم علاقات التاريخ و الجوار في اطار العائلة السوفيتية السابقة ، و السلافية .
وخطوة الرئيس بوتين الجديدة هذه من شأنها أن تشكل رافعة و منصة لتمتين البنية التحتية الروسية الداخلية ، و على مستوى تحسين المعيشة عبر تمكين الرواتب و التقاعدات الحكومية ، و فتح فرص العمل في القطاع الخاص ،و التشجيع على الاستثمار ، و الأجنبي منه ، واعادة النظر بتأشيرات الفيزا ، و تسهيل الحصول على جواز السفر الروسي على المتزوجين من الروسيات و على المستثمرين ، و تطوير البنية التحتية للسياحة الداخلية ، و تنظيم السياحة الخارجية و توجيهها لخدمة الدخل القومي الروسي وفق برامج مدروسة . ولقد جرت العادة و بسبب الإمكانات الاقتصادية الصعبة وعلى مستوى السكن ، أن تنجب السيدة الروسية طفلا واحدا ، بينما هي الصورة مختلفة في مناطق القفقاس حيث الإنجاب الوفير .
ولقد قارن الرئيس بوتين للتو في مقابلة أجراها معه الصحفي الأمريكي المشهور كارلسون بين عدد سكان روسيا و عدد سكان الصين ، و أظهر بأن المسافة الديمغرافية بينهما من 150 مليون الى مليار و نصف المليار نسمة ، و بأن الاقتصاد الصيني هو الأول في العالم ، وهو المرعب للولايات المتحدة الأمريكية ، بينما الاقتصاد الروسي هو الأول فقط على مستوى أسيا و لا تخشاه أمريكا . وبطبيعة الحال ‘ فإن أمريكا تهاب القوة فوق النووية الروسية المتطورة بإستمرار ، و حديثا اخترعت روسيا سلاحا يستهدف الأقمار الصناعية لم تستخدمه بعد ، لكنه حسب أمريكا لا يهدد الكرة الأرضية .
الرئيس بوتين صاحب مبادرة و صيحة الزيادة الطردية للإنجاب في بلاده روسيا ، هو الأبن الأصغر في عائلته بين ثلاثة أخوة ، اثنين منهم ( فيكتور و البريت ) توفاهما الله قبل ولادته ، وواحد منهما قضى نتيجة حصار ليننغراد، ووالدته ماريا عثر عليها وسط قتلى نهايات الحرب العالمية الثانية ، و أنجبت بعدها بوتين . ولقد كافح طويلا من أجل بلاده روسيا ، و صعد بالتدريج الى السلطة في موسكو كرجل أمن بداية ، ثم ارتدى ثوب السياسة بنفس الطريقة ، حتى أصبح الرئيس الذي يصعب على روسيا الاستغناء عنه ، و عن دوره الاقتصادي و السياسي ، وقبل التحديات الداخلية و الخارجية التي تواجه بلاده العظمى روسيا . و الرئيس بوتين من مواليد 7 أكتوبر عام 1952 ، و هو التاريخ الذي ادهش العالم بظهور اسمه ، و يرعب العالم اليوم بعد مواجهة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي في غزة نيابة عن 75 عاما من الاضطهاد و التعرض للسجون و التطاول على الأقصى .
أهم ملف يقلق الرئيس بوتين هو الاقتصاد و العسكرة و النهوض المستمر بهما ، و لقد تمكنت روسيا في عهده من تبوء المركز الاقتصادي رقم 1 في أسيا ، و الرقم 1 فوق النووي العسكري على مستوى العالم ، و تميز في تكنولوجيا الفضاء ، ورائد الفضاء الروسي فاليري بولياكوف سجل أطول فترة مكوث هناك بلغت عامي 1994/1995 -438 يوما متتالية . و تمتلك روسيا 37 مفاعلا نوويا للأغراض السلمية ، و فيها أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي ، ومن أكبر الصناعات البترولية في العالم ، و أكبر احتياطي نفطي ، و ثاني احتياطي من الفحم على مستوى العالم . و احتياطي ضخم من الذهب حوالي 2330 طنا . وأكثر من مليار هكتار مساحة الغابات في روسيا . و ثاني دولة على خارطة العالم في تجارة السلاح .
بدأ الرئيس بوتين ببناء علاقات طيبة مع الغرب ومع أمريكا بالذات ، و رغب بأن ينعكس التعاون معهم على تعزيز التنمية الروسية الشاملة ، فكان أول من بادر عام 2000 بإدخال بلاده الى حلف ” الناتو ” ، و لبناء شبكة دفاع مشتركة مع أمريكا و أوروبا ، و أدخل فرنسا و المانيا شركاء في اتفاقية ” مينسك ” لضبط الأمن في الجوار الأوكراني و لمنع التدخلات الغربية ، و لضامنة سيادة أوكرانيا على أراضيها ، لكن عملية روسيا الخاصة العسكرية ارتأت عام 2022 ضم أقاليم شرقية و جنوبية هامة كادت أن تقع فريسة بيد أمريكا و الغرب ، و تحديدا بيد “الناتو “. و شهدت روسيا – بوتين زيارات لرؤساء أميركان مثل جورج بوش الأبن ، و كلينتون ، و أوباما ، و زيارة مماثلة لبوتين لأطراف أمريكا .
لكن غزو أمريكا قائدة ” الناتو” للعراق عام 2003 غيرت مشهد العلاقات الروسية – الأمريكية و مع الغرب ، و زاد الربيع العربي تعقيدا لها بعد التدخل الأمريكي السافر في شؤون العرب ومن دون دعوة . ونجحت روسيا في ادارة الملف السوري و قربت أمريكا منه لإيجاد مخرج امن له ، ثم غادرت الحدود السورية – الاردنية للتفرغ لحرب فرضت عليها من قبل أمريكا و الغرب ، و الهدف لديهم اشغال روسيا عن مواصلة البناء الداخلي الخاص برعاية الأنسان الروسي . و توجهت روسيا الى خطوة أبعد من ذلك ، تجاه بناء عالم متعدد الاقطاب من شأن أن يعود بالخير على روسيا وعلى كل أركان العالم المتضررة من تغول احادية القطب .
و الان ، ومع وفاة المعارض الروسي في مجال الفساد – الكسي نافالني ، و التي هي وفاة طبيعية في سجنه ، حيث حكم علية في بلده روسيا 19 عاما لعدة أسباب منها التخابر مع الغرب ،و قيادته لمسيرات برتقالية . و هو الذي تعرض لحالة تسمم عام 2020 و نقل للعلاج لالمانيا . و أصبح موضوع وفاته مادة دسمة للغرب للأنقضاض اعلاميا على روسيا ، و هاهي نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هارس ، و رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك أيضا يتصدران مشهد توجيه النقد لروسيا و اتهام الرئيس بوتين مباشرة بسبب وفاة نافالني ، و تصدي اعلامي كبير لهما من قبل الخارجية الروسية .
و بكل الاحوال يبقى موضوع نافالني داخلي روسي لا شأن للغرب به ، و هو الذي لا يرى من ثقب سياسته حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني و التسبب في استشهاد أكقر من 28 الفا جلهم من الأطفال و النساء ، و التهديد الإسرائيلي المباشر أيضا لرفح ، وهو المتوقع أن يتحول لكارثة بشرية.