مصطفى الشبول
عيرني كتفك
قديماً كان أهل الشام إذا أرادوا أن يزوجوا ابنهم وليس لديهم غرفة يزوجوه فيها ، يذهب الجار إلى بيت جاره المقابل له ويقول له : عيرني كتفك أي بمعنى عيرني حيطك … فيساعده الجار ويسمح له أن يبني قوس وغرفة فوقها لابنه العريس بين البيتين ولا يؤثر ذلك على حرم الطريق ولا على المارة بل انه كان يعطي (شكل القوس وشباك الغرفة من فوقه) منظراً جمالياً وتحفة رائعة…هكذا بُنيت بيوت الشام القديمة وغمست بصبغة الأقواس التي تحمل المحبة والألفة والتعاون بين الجيران ، وهذا الشيء ليس فقط في الشام وحسب بل كان منتشراً في كل مكان وبطرق مختلفة .
أما اليوم فقد اختلفت الأمور وانقلبت رأساً على عقب إلا ما رحم ربي ، ولمن أراد أن يتأكد من صحة هذا الكلام فليذهب إلى مكاتب وصناديق الشكاوى في البلديات وعند الحاكم الإداري ليرى بأم عينه أنها مُلئت بالشكاوى والاعتراضات والإنذارات والتنبيهات والبلاغات، ومعظم الشكاوى تخجل عندما تقرأها ، فمثلاً عندما يشتكي أحد الجيران على جاره لدخول غصن زيتون في أرضه ، أو لوقوع كرة (فطبول) الأطفال على حديقة بيته ، وآخر يشتكي على شرفة بيت جاره البعيد، وغيره يشتكي على بقرة جاره بسبب مرورها بجانب أرضه ، وجار يشتكي على جاره لان ثوره نظر إلى مزروعات بيته ( يعني الثور حطهن بعقله مشان يوكلهن) عدا عن الخلافات بسبب هوشات الأطفال الصغار التي لا تنتهي، والأدهى والأَمّر عندما تتطور الأمور وتتحول إلى عراك وترتفع الشكاوى لتصل إلى المحاكم بسبب أمور تافهة لا تذكر (وهات لحق زلم ولحق تقارير طبية ومستشفيات خاصة) .
نقول رحم الله الأيام السابقة عندما كانوا يتجاوزون عن تلك الأمور التي لم تكن بالحسبان ، ورحم الله أيام فزعات الحصيدة ودهان البيوت بالشييد وغسيل الصوف وطبخ المناسف في الأعراس وبناء السناسل … فقد كانت الأيادي تتوحد والأكتاف تسند بعضها البعض ، ولا يعرفوا ابنك ضرب ابني ،ولا ابنك قطع ليمونة من شجرتنا …