فارس الحباشنة
استمعت لمذيعة لهجتها «غير أردنية» تعلق على خبر الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وقولها» اوك وبونجور».
اللغة العربية غريبة في ديارها، ولسان ناطقي العربية غرباء.. الغربة ليست رحيلا وانتقالا من مكان الى اخر.
هناك غربة لغوية واغتراب لغوي.. انسلاخ عن الهوية اللغوية وتاريخها وثقافتها ومخزونها المعرفي والفكري.
العربية تواجه اهمالا من قومها وناطقيها.. وفي البحوث اللسانية فان العربية تواجه الاندثار والموت.. وقد تدرج قريبا على لائحة اللغات الميتة والقابلة للاندثار.
في التاريخ البشري والكوني هناك الاف من اللغات ماتت واندثرت واختفت.. ولغات تصارع البقاء.. في استراليا مئات من اللغات المحلية طمسها الاحتلال الانجليزي وحكم البيض الاستعماري لاستراليا.
فرنسا، دقت اجراس الخطر اللغوي.. واكبر شبكة ثقافية ولغوية فرانكفونية مهددة الان بالتراجع الى الخلف، وتزاحمها اللغة الانجليزية وتحتمل مكانها في بلدان فرانكفونية: افريقية واسيوية.
فرنسا، حارس للغة الفرنسية وللثقافة الفرانكفونية، وتمدد اللسان الفرنسي كان بفعل قوة الاستعمار الفرنسي عسكريا واقتصاديا وثقافيا.. وهذا المكسب تحول الى قوة ومخزون حضاري فرنسي في الثقافة العالمية، ولكن يجري الان خسارته ويواجه صراع بقاء.. ومع ذلك فان القادة السياسيين والمفكرين والمثقفين يدركون ذلك.
بالنسبة للغة العربية.. بعيداً عن الاحصاءات والرصد اللغوي.. فيكفي ما تسمع من خطب لساسة وقادة رأي عام من روؤساء حكومات ونواب واعيان.. نماذج صارخة لعبث وعدمية لغوية، اختلاط هجين للعامية على اختلاف لهجاتها.
ومن لا يحترم اللغة العربية، لا يحترم هويته ووطنيته ولا يحترم الشعب المتلقي للخطاب.. والعربية ليست لسانا، انها كينونية ووجدان، كما انها لغة مؤتمنة على المقدس السماوي «القرآن».
كتب العرب في لغة كثيرة بفعل تاثير الاستعمار، كتب الطاهر وطار بالفرنسية، ومحمد شكري بالاسبانية، ومحمد ديب بالفرنسية، وادوارد سعيد بالانلجيزية، وجورج شحدة بالفرنسية.
غربة العربية.. هو لسان حال ازمة حضارية.. وعنوان لازمة التبعية العربية للغرب والانجرار وراء لغات بديلة، وقذف اللغة العربية «الام»، هو واحد من صور الضياع العربي، وتجلي لانجرار الأمة وراء انفصال عن كينونتها وهويتها التاريخية القومية «سيكولوجيا المغلوب»، وكما عبر عنها ابن خلدون.
تسمع كلاما غريبا عن اللغة العربية.. ما نفع تدريسها للاجيال القادمة وما جدوى العربية وغير ذلك من كلام عدمي واسقاطي يستخف بالعربية، ومنبع ذلك استخفافنا واستهتارنا في هويتنا وثقتنا في ذاتنا الحضارية والانسانية.
حماة العربية.. ومن ينصبون انفسهم مدافعين عن حصون العربية في كليات اللغات والاداب واقسام اللغة العربية في الجامعات ومجامع اللغة العربية.. فماذا قدم مثلا مجمع اللغة العربية الاردني من ترجمة من لغات حية الى العربية، وماذا قدموا لحركة التعريب، واين المعجم اللغوي الاردني «القاموس»، وماذا قدموا للمكتبة العربية؟
وما لا يدرك ان تشويه المذيعة للغة العربية مدورس وممنهج ومبرمج.. وان ثمة «قوى خفية» عابثة في السياسة والاقتصاد والاعلام تريدنا ان ننسلخ عن جلدتنا بالحكي والتفكير والمعتقد واللباس والطعام والشراب، والهوية. ويجربون على المجتمع انواعا واصنافا واشكالا جديدة من الهويات القاتلة والعدمية والنافرة .