اسعد العزوني
ليس عيبا الوقوع على الأرض لسبب أو لآخر ،لكن العيب كل العيب أن تبقى على الأرض تمرّغ أنفك في وحولها وقاذوراتها ،عاجزا عن النهوض تندب حظك وربما تبكي كما النساء لعجزك عن النهوض،في حين يسمع زئيرك وأنت واقف من بعيد،وهنا تكمن الكارثة وهي أن الزئير ليس دليل قوة أو منعة ،بل تعبير عن خواء فكري وضعف ،جرى التعويض عنه بالصراخ ورفع العقيرة.
عندما إشتكى والي خراسان للخليفة هارون الرشيد سوء الأوضاع في خراسان وتمرد أهلها عليه في رسالة مطولة بعثها له،ذيّلها الخليفة بعبارة تتكون من أربع كلمات :” داو جرحك لا يتسع”،وهذه العبارة رغم قصرها إلا أنها تمثل نمط حكم رشيد ،فالكيّس من اتعظ بغيره.
جاءت هذه المقدمة الطويلة الهادفة في سياق التعليق على ما يحدث في الأردن عقب فاجعة مستشفى السلط،وهي رسالة موجهة لصناع القرار في البلد ،علّ وعسى أن نستفيد منها ونسير على هديها،وما جاء في كلمات الخليفة عبارة عن فلسفة للحكم الرشيد ،إذ أن التصرف السريع والحكيم والمدروس كفيل بوقف تدهور الحالة ،بسبب الرشد أو الرشاد المشتقة منهما كلمة الحكم الرشيد الذي يركز عليه الغرب .
مطلوب من صناع القرار في الأردن وضع مشاكل البلد على الطاولة لدراستها وفق منظور مختلف،بهدف إيجاد الحلول اللازمة غير المكلفة أو المؤلمة ،لأننا نعيش في مرحلة جديدة تختلف عما كان عليه الحال قبل ما يطلق عليه الربيع العربي المختطف،وعلى الجميع أن يتابعوا مجريات الأمور ويتسلحوا بالمعرفة ،وأن تكون لديهم القدرة على إجتراح الحلول المناسبة لمشاكلنا ،وعدم غش جلالة الملك بأن الوضع في البلد “برنجي”.
هناك كومة مشاكل صنعناها بأنفسنا من خلال سياسة التهميش والإقصاء وتفصيل ولاءات جغرافية ،خلقنا على إثرها العداوات المجتمعية ،وصرنا ألف جمهورية في مساحة صغيرة ،لأن إبن كل مدينة أو بادية أو عشيرة يحسب نفسه كيانا مستقلا ،ولا نكشف سرا عندما نقول أن هذه السياسة إرتدت على أصحابها وشهدنا تغولا على الدولة.
إتسمت سياسة التوظيف في القطاع العام على سبيل المثال بالغوغائية ،إلى درجة أننا لم نفسح المجال للعشيرة أن تصدر للمؤسسات أفضل ما عندها من كفاءات،وبات الأقل كفاءة هو الأكثر حظوة،ومن هنا جاء الخلل ،إذ أننا إعتمدنا على الأقل كفاءة ،وتركنا الكفاءات تسرح وتمرح وسط البلد تندب حظها،وتبدي ندمها على ما صرفته على تعليمها وربما في أعتى جامعات اوروبا.
نجم عن ذلك أن أصحاب الحظوة تصرفوا بطريقة غير لائقة في مجال عملهم ،ولم لا فهم مسلحون بالحظوة وليس بالكفاءة،مما خلق العداوة والبغضاء في صفوف المجتمع بغض النظر عن مسمياته،وتولد الحقد في نفوس أصحاب الكفاءات ،لأنه تم إستثناؤهم من عملية بناء الوطن ،الذي يظهر للجميع وكانه مزرعة للعشرة البررة وأبنائهم وبناتهم ،الذين يتم “توظيب”وظائف عليا لهم وبرواتب فلكية رغم قلة علمهم وإنعدام خبراتهم، وذلك على حساب أبناء الوطن الآخرين الذين إكتسبوا العلم والمعرفة ،لكنهم لم يتمتعوا بالحظوة الممنوعة عليهم.
إن أردنا تعديل المسار وإنقاذ السفينة من الرياح الهوجاء والأمواج العاتية التي تحيط بها ،وأعني بذلك التحولات الإقليمية الدراماتيكة ،وإصطفاف “الأخوة –الأعداء “إلى جانب مستدمرة الخزر،ودعمها بكل ما يملكون من ثروات هائلة ،في حين أنهم يقترون على الأردن ويضغطون عليه لإضعافه وسلبه أوراق القوة لديه،وهذا يدعونا لتغيير السياسات ، وأن نعتمد على أنفسنا من خلال الحكم الرشيد والعدالة والمساوة وتوفير الفرص للجميع لتحقيق المواطنة الحقة،وإلا فإن المحظور سيقع لا سمح الله.