المهندس غيث القضاة
فتاوى جواز التعزية والتكفير والقتل !
المهندس غيث القضاة
لم أنتظر في حياتي اطلاقا فتوى من شيخ يسمحُ لي فيها بتعزية صديق أو جار أو أخ مسيحي توفي ابنه او شقيقه أو زوجته أو والده ! ولم اكن أنتظر اطلاقا فتوى من شيخ يُحرّم فيها أن أهنئه أيضا في أية مناسبة اجتماعية كانت ! فلسنا بحاجة الى هذه الفتاوى التي تكاد تمزقنا وتفتك بنا وبنسيجنا الفطري الجميل ، بل وتقزم علاقاتنا الاجتماعية الى حلال وحرام فقط ، فالعلاقات الانسانية البشرية الطبيعية لا تخضع للفتوى ،وذاك الذي يسأل عن فتوى تسمح له بالتعزية أو بالتهنئة ! عليه ان يسأل عن انسانيته أولا أين تكون حينها.
كنا نعتبر جارتنا المسيحية في عجلون بمثابة الخالة وما كنا نناديها بغير ذلك ، وكنا نأكل عندهم ويأكلون عندنا، ونحزن لأحزانهم ونفرح لأفراحهم وكذلك هم يفعلون، لم يتسلل الى تفكيرنا اطلاقا أننا نختلف عنهم ويختلفون عنا، فنحن أبناء مجتمع واحد وثقافة واحدة وهوية جامعة واحدة، وهم اصدقاؤنا في الحارة وفي المدرسة وفي الجامعة والعمل، ولم نسألهم عندما صادقناهم عن ديانتهم أو كفرهم وايمانهم! فنحن وإياهم شركاء في المواطنة وشركاء في الانتماء لهذا الوطن وشركاء في حبه وشركاء في الحقوق والواجبات المتساوية، وما أجمل ان نحافظ على هذه الصورة النقية وننقلها لا بناءنا وللأجيال القادمة دون تشوه .
ما الذي أصابنا في هذا المجتمع وجعلنا نعود الى الوراء نبحث عن أنفسنا وعن هويتنا ، و يتعثر سلوكنا وتتشوه أفكارنا بهذه الطريقة ! ما الذي شوّه أنفسنا وجعلها سقيمة بهذا الشكل ! ما هذه التراكمات الاخلاقية التي جعلتنا نكره أنفسنا أحيانا ونكره الآخر ونحقد عليه وقد نقتله لأننا نختلف معه؟ ما هذه النفايات النفسية التي نجدها ملقاة دون حسيب أو رقيب على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تزكم الانوف والعقول بروائحها الكريهة ! والتي أصبح فيها الاخرق والاحمق والمتخلف صاحب منبر يبث فيها سمومه واعاقته الفكرية غير آبه بضرر كلمته أو موقفه وغير آبه بتأثير سمومه التي يبثها دون حسيب أو رقيب.
بيد أن الدولة مسؤولة مسؤولية كاملة عن حماية المجتمع والحفاظ على أمنه الاجتماعي وذلك بسن التشريعات والقوانين الضابطة للسلوك العام ، فلا بد أن تُسن التشريعات القاسية بحق من يزدري الأديان والرسل والكتب السماوية ،وكذلك لمن يسيئ الى الوحدة الوطنية أو الى الروابط الاجتماعية بفتوى أو بتصريح أو تلميح – فهذا راس المال الذي نزعم أنه يميزنا في هذه المنطقة – ،وكذلك يجب أن تُسن التشريعات الضابطة لمن يسمحون لأنفسهم بإطلاق فتاوى الردة والتكفير والقتل بحق مخالفيهم ، فهؤلاء يجب أن تُغلق في وجوهم كافة أبواب الاعلام؛ فلا تنشر أخبارهم وفتاويهم الضالة في الوسائل الإعلامية ولا يروج لها ،ويجب محاسبتهم حسابا عسيرا على أي كلمة أو عبارة يسيئون فيها الى أي طرف و يسمحون فيها لأنفسهم بإدخال هذا الجنة وذاك النار وقد يكون بعضهم لا يتقن فقه الطهارة والوضوء!
يبدو أن الربيع العربي قد عكَر صفو مزاجنا ،ولم نُحسن استغلاله سياسيا فوجدنا ضالتنا في استغلاله استغلالا بشعا أخلاقيا وسلوكيا ومجتمعيا فيما بيننا ،فبدل أن نثور على الظلم والفساد بشكل صحيح ،تمردنا وثرنا على أنفسنا وعلى قيمنا وبعض أخلاقنا ،وقمنا باستغلال هامش الحرية وتوفر وسائل الاعلام ومنصاته المختلفة لتمزيق وحدتنا والإساءة الى انفسنا وتوجيه أصابع الاتهام لتاريخنا وحضارتنا وقيمنا المجتمعية ،والتي طالما حفظتنا وجعلتنا مجتمعا مترابطا متلاحما لا يعرف مصطلحات الكراهية أو العنف أو التشدد .